+ A
A -
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
ذكر أهل التّفسير أنّ الأخ في القرآن ورد على خمسة أوجه: أحدها: الأخ من الأب والأمّ أو من أحدهما: ومنه قوله تعالى: (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). وقوله تعالى: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ). والثّاني: من القبيلة: ومنه قوله تعالى:( وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً)، وقوله: (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً)، وقوله: (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً). والثّالث: في الدّين والمتابعة: ومنه قوله تعالى: (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً)، وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). والرّابع: في المودّة والمحبّة: ومنه قوله تعالى:( وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً). والخامس: الصّاحب: ومنه قوله تعالى: (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً).
وأيّا كانت المعاني، فإنّ من طبيعة الإنسان أن يكون آلفا مألوفا، ذلك أنّه يستعين من خلال الألفة على أداء الرّسالة المنوطة به في الدّنيا لتحقيق أهداف الاستخلاف، والمؤاخاة من أهمّ أسباب حدوث الألفة بين النّاس، لأنّها كما يقول الماورديّ: «تكسب بصادق الميل إخلاصا، ومصافاة، وتحدث بخلوص المصافاة وفاء ومحاماة».
وإذا كان الدّين أكبر باعث على المؤاخاة والتّآخي، فإنّه بذلك يعزّز الألفة والتّجمّع على تعاليم الدّين من أجل صلاح الدّنيا والحياة والمجتمع، وتأتي المؤاخاة عن طريقين: الأوّل: الاتّفاق بين المتآخيين بالطّبيعة والعادات والميول والاتّجاهات، وذلك من خلال التّجانس في حال يجتمعان فيها ويأتلفان، وإذا قوي التّجانس قوي الائتلاف، وإن ضعف كان ضعيفا، ولذا كان التّجانس أقوى أسباب المؤاخاة، والتّجانس يعني المشاكلة، يقال هذا يجانس هذا أي يشاكله، وقد روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» فهي بالتّجانس متعارفة، وبفقده لا تتعارف بل تتناكر.
الثّاني: أخوّة بالقصد: وهذه المؤاخاة تتمّ عن قصد ونيّة، أي يقصد الإنسان إليها قصدا، والباعث إليها أمران: الرّغبة: وهي أن يظهر الإنسان رغبة في مؤاخاة إنسان آخر لظهور فضائل لديه، وتلك تبعث على إخائه، وبمعنى آخر: ظهور صفات جميلة من إنسان في غير تكلّف، بحيث يستحسنها إنسان آخر فيقصد مؤاخاته. وينبغي أن تكون هذه الصّفات أصيلة في الإنسان لا مجرّد تكلّف، فإنّ التّكلّف يفسد الصّفة، بل ويفسد الإنسان المتكلّف أيضا، ولذا لا تصحّ مؤاخاته. والرّهبة أو الحاجة، وتعني رهبة الإنسان وخوفه من وحشة الانفراد، وبالتّإلى فهو في حاجة إلى اصطفاء إنسان يأنس بمؤاخاته.
وأيّا ما كان أمر دوافع الإخاء فإنّ من يريد أن يؤاخي إنسانا فعليه أن يتعرّف أحواله، ويتحرّى فيه صفات معيّنة.
فإذا ما تمّت المؤاخاة ترتّب على ذلك حقوق وواجبات تجاه الإخوان، وذلك كالإغضاء عن الهفوات، والنّصح لهم والتّناصح، ووجوب زيارتهم، ومودّتهم، وغير ذلك من أمور من شأنها إشاعة الألفة والتّآلف بين الإخوان، وذلك كلّه بهدف تحقيق التّماسك الاجتماعيّ المطلوب بما يعين على تحقيق أهداف رسالة الإسلام.د. فاطمة سعد النعيمي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن ــ كلية الشريعة جامعة قطر[email protected]
copy short url   نسخ
31/08/2020
792