+ A
A -
كتب محمد أبوحجر
قال الشيخ عبدالله النعمة إن تعاقب الشدة والرخاء والعسر واليسر كشف عن معادن النفوس وطبائع القلوب بين هلع وصبر وقنوط وثقة ويأس وأمل، فمن درى حكمة الله في تصريف الأمور وجريان الأقدار فإن اليأس لن يجد إلى قلبه سبيلا مهما أظلمت المسالك وقست الحوادث وتوالت العقبات وتكاثرت النكبات ونزلت الابتلاءات.
وأوضح في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب أن الإنسان إلى ربه راجع والمؤمن بإيمانه متمسك وبأقدار الله مسلم، لافتا إلى أن شر ما ابتليت به النفوس هو يأس يميت القلوب وقنوط تظلم به الدنيا وتتحطم معه الآمال، مؤكدا ان اليأس قرين الكفر والقنوط طريق الضلال وانه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون، مشيرا إلى قول الحق تبارك تعالى «قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ».
وأكد أن تقلبات الدنيا في سرائها وضرائها ومدها وجزرها ليست حكرا على قوم دون قوم أو أمة دون أمة أو فرد دون فرد، ولكنها سنة الله في ابتلائه بها أهل الدنيا «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ».
ولفت إلى أن قلب العبد اذا تجرد من الإيمان أو ضعف عنده وازع الاسلام عاش حياة القنوط واليأس الذي يقضي على الحاضر ويهدم المستقبل ويصير الحياة سوادا موحشا، يحسب ان الشر دائما لا يكشف فيستبعد الفرج ويمزقه الهلع، مشيرا إلى قوله تعالى «إن الإنسان خلق هلوعا* إذا مسه الشر جزوعا* وإذا مسه الخير منوعا».
وأوضح ان من كانت هذه حاله فإنه لن يصنع تاريخا ولن يبني مجدا ولن يجني خيرا ولن ينفع نفسه فضلا عن نفع غيره أو أمته.
مضيفا انه لهذا جاءت الشريعة الاسلامية ناهية عن التشاؤم واليأس دافعة للعجز والكسل، وقد أعلنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان».
وشدد على ان الشريعة الاسلامية دعت إلى التفاؤل وبث روح الامل، لأن العبد يحتاج إلى الأمل الذي يحيي النفوس ويزرع الأمل ويقوي العزائم ويدفع للعمل ويدفن الانهزامية.
وأشار إلى ما روى الإمام أحمد رحمه الله عن بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تكرهُ خيرًا كثيرًا، واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا».
وأشار الخطيب إلى انه هكذا كان دأب النبي صلى الله عليه وسلم، مشيرا إلى ما صح عن البخاري بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ولا نوء ولا غول، ويعجبني الفأل».
قالوا وما الفأل: قال «كلمة طيبة» وفي رواية «الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم».
وأشار الشيخ عبدالله النعمة إلى أنه يتعين على المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن التفاؤل وجميل الأمل وإحسان الظن بربه وصدق التوكل عليه ومحاربة القنوط واليأس ليستديم العيش في حياته ويحقق آماله وتطلعاته ويسعد في الحياة الدنيا والآخرة.
وأكد أن في تقلب الدهر عجائب وتغير الأحوال مواعظ وأن القوي لا يستمر أبد الدهر قويا والضعيف لا يبقى طول الحياة ضعيفا ولكنها سنة الله أدوار وأطوال تجري على الأمم والشعوب وتمر بالأفراد والآحاد، مشيرا إلى انه هذا هو النبي ابراهيم عليه السلام أراد به قومه كيدا فكانوا هم الأسفلين وأضرموا النار لحرقه فكانت بردا وسلاما عليه، وهذا يعقوب عليه السلام يذهب بصره من ألم الفراق ثم يعود التواصل والتلاقي.
وقال: أما نبينا محمد عليه الصلاة والسلام اليتيم الفقير فإنه تقلب بين عجائب المد والجزر وبين الرجاء والأمل إلى أن جاءه نصر الله والفتح المبين، مضيفا انه قديما خاطب المولى عز وجل المؤمنين في قصة توالت فيها الأحداث كما يشاء الله لا كما يشاء ويتوقع المؤمنون.
فخالفت على ما يبدو لهم من ظواهر الأسباب ومظاهر السنن، حيث قال ربنا جل وعلا في سورة الحشر «مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّو?اْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ?للَّهِ فَأَتَى?هُمُ ?للَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ?لرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ?لْمُؤْمِنِينَ فَ?عْتَبِرُواْ يَ??أُوْلِى ?لْأَبْصَ?ر» لأنهم كانوا من القوة والمنعة في حصونهم بحيث لا تظنون خروجهم.
وأشار إلى أن الله تعالى أتى هؤلاء في نفوسهم وقلوبهم لا من داخل حصونهم، فقذف فيها الرعب فعلموا أنهم لا يملكون أنفسهم ولا يحكمون قلوبهم.
copy short url   نسخ
15/08/2020
8232