+ A
A -
منذ اللحظات الأولى من خطواتي الحقيقية في بناء حياتي، وأنا أستمع إلى آراء الناس حول جوهر الشعوب، حيث باتت هناك صفات متلاصقة باسم الجنسية دون مبرر، فتجدنا نكرر بأسلوبنا اللامنطقي عبارات وصفات نطلقها على الشعوب وفقًا لما تم تداوله، دون أن نسأل «كيف ولماذا ؟»، وباتت تلك العبارات والأقاويل ملتصقة بنا دون أن نعرف المبرر الحقيقي لها، ولكن المصيبة أن هذه الأحكام المطلقة، تدخل في خانة الأحكام السلبية وتصل إلى حد التشويه في كثير من الأحيان في بلادنا العربية، بينما تجدنا ننشد أجمل العبارات وأرقها وأهمها وأكثرها جمالية في شعوب – لم يتمكن معظمنا من مخالطتهم -، فنطلق على الصيني صفة المثابر والنظامي، وعلى الياباني المبدع الذكي، وهكذا دواليك.
وفي معرض هذه المقارنة، أقف هنا صامتة، أتأمل الأسباب التي دفعتنا إلى تشويه الجنسيات التي تجمعنا بها رابطة (الدم، اللغة، الفكر، الثقافة....)، وتقديس الجنسيات الأخرى، فتوصلت إلى حقيقة مرة آلمتني «أننا» لم ندرك يومًا الجوهر في الآخرين من حولنا «وما أدراك ما الجوهر؟!!!!»
الجوهر يا سادتي مختلف عن الجمال والمظاهر الخلابة المتكاملة، الجوهر هو عمق الأشياء وحقيقتها، فأن ترتدي الثوب الجميل، وأن تتحدث اللغات بطلاقة، وتتقن فنون الحوار والإقناع، وأن ترتاد أفضل الأماكن، وأن تدعي الكمال، وتصلي في أول الصفوف، وتكتب أجمل المقالات، وترتدي أثمن الثياب... هذا ليس المقياس الحقيقي للجوهر... الجوهر هو أن...... ولكي أكون أكثر مصداقية.. اسمحوا لي أن أنقلكم إلى دروب حياتي الواقعية، وعدوني أن تتسربوا بسمو روحكم الإنسانية إلى دروبي بصمت ومحبة لتدركوا الجوهر الذي لمسته في حياتي.
الجوهر الحقيقي لقيمتنا كشعوب هو ما وجدته هنا في قطر مع العديد من الجنسيات، وما تربيت عليه هناك في وطني لبنان، فلقد نشأت في بيت علمني أن حلاوة الأخلاق هي صورتك الحقيقية، وأن جمال صدى الكلمات هي الكلمات التي ترضاها لنفسك قبل أن تنطق بها للآخرين.. وأن جمال الثوب في نظافته لا في نوع نسيجه، ورقي الموقف في مجاورته للحق لا في جعلك أكثر شهرة وبطولة زائفة... هذا هو الجوهر في بلدي... وما أدراك ما الجوهر ؟!!!
أما في قطر فلقد اقتسمت الدقائق مع أهلي القطريين، فوجدتهم يوم تحولت الغربة إلى سيف يقطع أجزاء روحي، يلفون ألمي ويضمدون جراحي، ويمدون لي يدهم يوم تقصر يدي عن إطعام أولادي، ويقفون وراء ظهري حماة يوم ترشقني سهام الظلم، وجدتهم في فرحي وجوها باسمة، وجدتهم في حزني قلوبا نابضة... هذا هو الجوهر في قطر...وما أدراك ما الجوهر؟؟!!...
وفي غربتي وجدت جميع الجنسيات، تترك على بصمات أيامي لمسات من السعادة والأمل، فوجدت شهامة السوري، وتعايشت مع نشامة الأردني، ورجولة العراقي، وفخامة روح السوداني، تفاني المصري، وعظمة قلب المغربي، رجاحة فكر التونسي، وجمال أخلاق الجزائري، ورقي تعامل العماني، وأخوة صادقة من الكويتي، إيثار ومحبة الباكستاني، ومحبة وبراءة الهندي.

أمام كل هذا أتساءل: ألم يحن الوقت أن ننظر إلى جوهر الشعوب، ونحاول معًا أن ندير الدفة نحو جهة القلب، فنحاول بالحب أن نزيل تلك الصور السوداء التي ظللنا بها أنفسنا طيلة سنوات، ونرى حقيقة الأمور بقلوب عربية محبة؟... فكر قليلاً سيدي القارئ... فالأمر يستحق العناء... آن الوقت لنرى جوهر الحقيقة... حان الوقت لتغير بوصلة الأحكام.
copy short url   نسخ
15/08/2020
379