+ A
A -
نجوى اسماعيل كاتبة لبنانية
لم تكن العريضة التي وقعّها آلاف اللبنانيين بعيد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والتي تطالب بعودة الانتداب الفرنسي ناجمة عن قلة وطنيتهم، بل هي نتيجة عقود من الذل والخوف والقهر، والتي فقدوا على إثرها أي ثقة بأي سياسي تسلم يومًا منصبًا في الحكومة، أو زعامة لطائفة ما، لقد أفلست آمالهم، حتى باتوا يتطلعون إلى الخارج، من أجل إنقاذهم ممن يحكمون سيطرتهم على رقابهم دون رحمة، وكأن الخارج بات المنفذ الوحيد لهم للاستمرار في العيش.
هؤلاء اللبنانيون الذين تفاعلوا مع زيارة الرئيس ماكرون، والذين عبروا له عن سخطهم على السلطة الحاكمة، يدركون جيدًا ماذا يعني أن يعود الانتداب الفرنسي إلى بلادهم، هم لم ينسوا التاريخ أبدًا، وهم ليسوا ضد سيادة وطنهم أبدًا، ولديهم من الكرامة ما يفوق ما لدى أولئك المتمسكين بالكراسي والمناصب. العريضة التي وقعوها لا تعني أنهم يغفلون عن حقيقة أن الانتداب الفرنسي هو المسؤول الأول عن إنشاء النظام السياسي اللبناني الطائفي، وتعزيز الطائفية والتي كانت سببًا فيما وصلنا إليه اليوم، إلا أن المأزق النفسي الذي يعاني منه اللبنانيون بات أكثر تعقيدًا وتشابكًا، لدرجة تدفعهم لأن يطالبوا بعودة الانتداب.
حين حصل تفجير بيروت المأساوي والذي سبب خسائر جسيمة في البشر والحجر، وأحزانًا جمّة، أعربت القيادات والشعوب العربية وكافة شعوب العالم، عن تعاطف انساني مدهش مع اللبنانيين، تعاطف تجسد بتقديم الدعم المعنوي والمساعدات العينية، وهو ما أثلج قلوب اللبنانيين رغم الألم الذي يعتصر فيها، لأن الدعم والتعاطف هو ما يفتقدونه من قياداتهم التي تضع المواطن في أسفل قائمة أولوياتها، وكأنه عدوّ لها تريد أن تقتص منه بعد أن تحصل على صوته في الانتخابات.
ولعل قطر تعدّ أكبر مثال على الدول المتعاطفة مع لبنان، حيث كانت السّباقة إلى تقديم الدعم، وما شهدناه من اهتمام جدّي وصادق من القيادة الحكيمة لا يمكن أن ينساه أي لبناني، كما أن تعاطف المواطنين القطريين لم يكن له مثيل، كأن لبنان هو لبنانهم، وكأن بيروت هي مدينتهم التي يعشقون، وهو ما أثلج قلوبنا وجعلنا نشعر بالانتماء إلى هذه الأرض وبالأمان الذي يعد من العناصر المفقودة في بلادنا.
وبالعودة إلى العريضة المثيرة للجدل، نحن لا نريد انتدابًا، ولا تدخلًا خارجيًا، نحن فقط التهمنا اليأس وقضت على آمالنا خيبات الأمل، لقد تخلى عنا من يفترض أنهم بمثابة آباء لنا يحمون حقوقنا ويحترمون وجودنا، لقد بتنا في مهب الريح، ضائعين ومشردين وخائفين، وأحيانًا، لا ندري ما نريد، وبمن نثق، ولمن نلتجأ، وعلى كتف من نبكي، لكننا أهل السيادة، وسنستعيد سيادتنا بأيدينا.
copy short url   نسخ
14/08/2020
207