+ A
A -
أدهم شرقاوي
ذُبحتْ شاةٌ في بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمرَ أهله أن يتصدَّقوا منها، وخرج من بيته لبعضِ شأنه، فلما عاد سأل عائشة رضي الله عنها: ما بقيَ منها؟
فقالتْ: ما بقيَ منها إلا كتفها
فقال لها: بقيتْ كلها إلا كتفها!
جوابٌ عظيمٌ من رجلٍ عظيمٍ كان يُخبر الناس دوماً أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنه اليوم زراعة ولا حصاد، وأن الآخرة حصاد بلا زرع!
كان لا يترك مناسبة إلا استغلها ليُخبر أن الدنيا فانية، وأن الآخرة باقية، فها هو حوارٍ زوجي عادي يدور مثله في كل البيوت، زوج يسأل زوجته عن مصروف البيت وطعامه، ولكنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجعل من الحوار العادي مُناسبة لدرسٍ غير عادي!
إنه يسأل عائشة سؤال الدنيا: ما بقيَ منها؟
فتُجيبه جواب الدنيا: ما بقيَ منها إلا كتفها!
فيُعقِّب على كلامها بدرسٍ من دروس الآخرة: بقيتْ كلها إلا كتفها!
المالُ الذي نحمله بين أيدينا ليس لنا! إنه للبقالة، ومحطة البنزين، وفاتورة الكهرباء، ولبائع الثياب، وفرن الخبز، ومحلات الأدوات المنزلية، ومن ثم للورثة، مالنا الحقيقي هو ما ندَّخره عند الله اليوم لنجده عنده هناك غداً!
كتفُ الشاة سيُؤكل ويذهب، ولكن ما خرج من لحم الشاة صدقة وحده سيبقى عند الله، هناك في بنك الآخرة الذي تعهَّده رب العزة بكرمه، وفيه يقول النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: من تصدَّق بعَدْلِ / مقدار تمرة من كسبٍ طيِّب، ولا يقبل اللهُ إلا الطيِّب، فإنَّ الله يقبلها بيمينه ثم يُربيها لصاحبها كما يُربِّي أحدكم فَلُوَّه/ الحصان الصغير، حتى تكون مثل الجبل!
يا له من بنك، ويا له من ادخار، مقدار تمرة من حلال تتصدقُ بها تريدُ وجه الله، يأخذها الرحمن بيمينه، ويُنميها لكَ، فإذا وقفتَ بين يديه غداً وجدتها كالجبل!
عندما نام السلطان سليمان القانوني على فراش الموت قال لمن حوله: عندما أموتُ أخرجوا يديَّ من التابوت ليرى الناس أن حتى السلطان يخرج من الدنيا خاليَ اليدين!
تصدقوا فليس للأكفان جيوب!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
13/08/2020
3410