+ A
A -
بعد انفجار مرفأ بيروت؛ الذي أدى إلى تدمير جزء كبير من العاصمة اللبنانية، وأفقدها أحد أهم منافذها على العالم، ومقتل نحو 170 شخصا وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، انفجر غضب اللبنانيين ضد العائلات والنخب الحاكمة المتهمة بالفساد وضد حكومة حسان دياب التي اضطرت إلى تقديم استقالتها تحت ضغط الاحتجاجات والرأي العام، ما يشير إلى إمكانية إحداث تغييرات سياسية جذرية قادمة.
نهاية حكومة دياب
ضربة معنوية
لايزال لبنان في حالة تمرد منذ أكتوبر العام المنصرم بسبب اندلاع الحراك الشعبي، ورغم استقالة حكومة الحريري واستلام دياب إلا أن الأوضاع ازدادت تدهورا من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويرى المحلل السياسي خطار أبو دياب في حوار مع دويتشه فيله عربية، أن أزمة مرفأ بيروت تدهور الوضع وجعلته أصعب مما كان عليه.
ويقول أبو دياب إن «من يمسك في زمام أمور لبنان الآن ليست العائلات بل النظام، أي تحالف رئيس الجمهورية ميشيل عون وحزب الله». وقد أضعف الحكم موقف كليهما: عون وحزب الله، وجاء الانفجار ليجعل الحزب «في موقف صعب مجددا؛ كونه تبرأ من معرفته بأي تفاصيل متعلقة بأزمة المرفأ، واختبأ وراء شعارات، كما المنظومة السياسية اللبنانية»، حسب أبو دياب الذي يشير إلى أن تأثير العائلات النافذة على الوضع السياسي اللبناني الحالي محدود. من جهة أخرى يرى الصحفي والمحلل السياسي جورج علم، أن لبنان أمام مشهد جديد سيتم خلط الأوراق فيه بشكل واسع، ما قد يؤدي إلى تغيير سياسي مستقبلي، مضيفا أن «استقالة الحكومة هي ضربة معنوية لحزب الله». ويتوقع علم أن تذهب البلاد إلى مؤتمر تأسيسي لنظام جديد تقبل به كل الأطراف السياسية في لبنان، وليس لحكومة جديدة، وذلك نتيجة للضغوط الدولية الحالية.
ضغوط دولية
يعيش لبنان وسط محاور سياسية مختلفة في المنطقة، المحور الأول يتمثل في تأييد إيران ودعمها لحزب الله، والمحور الثاني يتمثل في السعودية والإمارات اللتان اتخذتا موقفا عدائيا من حكومة دياب الحالية.
أما الدور الدولي فقد برز في مؤتمر الدول المانحة، من خلال رفضها تقديم الدعم للحكومة مباشرة بل عن طريق منظمات ومؤسسات خيرية، والذي يرى فيه علم «دليلا على عدم ثقة الدول في حكومة دياب» المستقيلة. ويؤكد أن «المجتمع الدولي لا يريد أن يغرق لبنان» في فوضى، ولهذا قام الرئيس الفرنسي بزيارة بيروت، كونه يدرك تأثير الانفجار على مستقبل البلد، وهناك رافعة دولية تمثلت في مؤتمر الدول المانحة قد تتبلور في البحث عن حكومة جديدة. ويشير علم إلى أن تحرك ماكرون وزيارته إلى لبنان لم يكن دون تنسيق مع الرئيس الأميركي، وهذا يعني أن الولايات المتحدة عهدت إلى فرنسا الاضطلاع بالملف اللبناني، بالإضافة إلى أن رئيس البرلمان الأوروبي عبر عن تأييده لموقف ماكرون في الشأن اللبناني.
وفي ذات السياق يرى علم أن الموقف الخليجي منقسم على ذاته، ففي حين قدمت قطر دعما واسعا للبنان، فإن السعودية والإمارات اكتفتا بتقديم مساعدات محدودة، ولكن مع استقالة دياب قد تكون هناك تغييرات قادمة، من المبكر الحديث عنها، على حد تعبير علم. وبالنسبة لإيران فيعتبرها المتضرر الأكبر مما يجري، لأن ما يحدث هو حصار لحزب الله، ولكن، على حد تعبيره، لم يمارس ماكرون حتى الآن أي إقصاء للحزب، وطالب بجلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار، ويضيف الكاتب والصحافي اللبناني جورج علم، أن انخراط الحزب في الوضع السياسي القادم مرهون بتخفيضه سقف شروطه.
من جهته يشرح أبو دياب «أن الوضع في لبنان حساس جدا وأمام استحقاقات صعبة»، لاسيما أن الدولة تنتظر قرار المحكمة الدولية بشأن اغتيال الحريري وتجديد تفويض اليونيفيل، مضيفا أن «الكارثة الكبرى» هي ربط مصير لبنان بالمصير الإيراني، كون الأخيرة تدعم حزب الله، وتضغط على الشعب من خلاله، والذي سيجعل من لبنان رهينة الصراع الإيراني- الأميركي في المنطقة.
الهروب من السفينة
وإن استقالة حكومة دياب تشير إلى أن تغييرات قادمة قد تضرب النظام السياسي أجمع، ويرى د. خطار أبو دياب أن البعض يحاول «الهروب من السفينة الغارقة»، ولكن الاستقالة لا تكفي، إذ لا بد من محاسبة المسؤولين ضمن تحقيق دولي شفاف، حسب تعبيره، ويرى أن لبنان أمام منعطف أعمق، فقد كان انفجار مرفأ بيروت «القشة التي قصمت ظهر البعير»، إضافة للمآزق السياسية والاقتصادية السابقة.
ويرى أبو دياب أن التغيير الحقيقي يأتي عن طريق تغيير «العقليات والبنية وفي نظام انتخابي يسمح بالتدرج من الطائفية إلى المواطنة»، وضرورة إبعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، مؤكدا أن التغيير لن يكون ممكنا إلا بعد تغير موازين القوى.
copy short url   نسخ
13/08/2020
695