+ A
A -
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل غاضبة، بعد الكشف عن محاولة سعودية لإقناع الولايات المتحدة بغزو قطر، معتبرة أن ماتم الكشف عنه يؤكد مجددا أن كل الحجج الزائفة التي روجت لها دول الحصار الأربع لمحاولة تبرير فعلتها لم يكن لها أي أساس على الإطلاق سوى الجشع والطمع ومحاولة النيل من سيادة قطر، وأن كل المعلومات المضللة والأخبار المفبركة، بما في ذلك قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية، جاءت في سياق هدف أبعد يستهدف النيل من قطر وشعبها واستقلالها وسيادتها.
وكانت مجلة «فورين بوليسي» كشفت أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، «رفض بشدة»، خلال مكالمة هاتفية مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز في 6 يونيو 2017 مقترحاً بغزو قطر، أي بعد يوم واحد على قطع دول الحصار علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، وفرض الحصار عليها بإغلاق كافة المنافذ الجوية والبحرية والبرية.
وأوضحت المجلة الأميركية، الرصينة والمطلعة، أن الولايات المتحدة، بعد رفضها غزو قطر، طلبت بسرعة وساطة كويتية لحل الأزمة الخليجية.
ويتماشى ما قالته المجلة الأميركية مع ما كشفه أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في البيت الأبيض بتاريخ 7 سبتمبر 2017، عن نجاح الوساطة الكويتية في وقف التدخل العسكري في قطر، حيث قال: «الأزمة في الخليج معقدة، لكن الأهم أننا نجحنا في وقف أي عمل عسكري».
ونوهت «فورين بوليسي» بالدور التركي المتمثل في الوقوف إلى جانب قطر ورفض الحصار المفروض عليها، فضلاً عن تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعها البلدان عام 2014.
وفي مايو 2019، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن السعودية خططت، قبيل الحصار في 2017، لغزو قطر والاستيلاء على حقول الغاز بها، وفقا لمسؤولين أميركيين وسعوديين وقطريين.
وقال المسؤولون الأميركيون إن واشنطن أقنعت الرياض بأن الغزو سيكون بمثابة خرق كبير للنظام الدولي، وبدلا من ذلك، أطلقت السعودية والعديد من حلفائها مقاطعة اقتصادية عقابية ضد قطر.
وتستمر الأزمة الخليجية وحصار قطر، دون أي مؤشرات في الأفق على حل قريب، على الرغم من أنه بات واضحاً فشل دول الحصار في تحقيق أهدافها بابتزاز الدوحة وإخضاعها لمطالب وشروط تقيّد حركتها ودورها الإقليمي والدولي.
في المقابل، أظهرت السنوات الثلاث الماضية، نجاح قطر في تعزيز أوراق القوة التي ساعدتها على تخطي الحصار والتمسك برؤيتها لحل الأزمة عبر حوار مباشر بين الأطراف المعنية، مع تعزيز علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وشراكتها مع تركيا.
ولا تلوح في الأفق أي حلول تطوي صفحة الحصار، التي لم تعصف بكيان مجلس التعاون الخليجي فحسب، بل بعلاقات شعوب منطقة الخليج العربية بعضها ببعض، بفعل السياسات المغامرة من قبل حكومات دول الحصار، والتي تركت جروحاً وآلاماً من الصعب أن تندمل وتزول بسهولة في الشارع القطري.
وكان المشهد الأبرز فشل المفاوضات القطرية السعودية، التي أوقفتها الرياض من جانب واحد ومن دون سابق إنذار، مطلع العام الحالي، بعدما انطلقت أواخر شهر ديسمبر من العام 2019، على وقع انفراج مؤقت في الأزمة الخليجية، تمثل بإقامة دورة كأس الخليج العربية لكرة القدم في الدوحة، نهاية العام الماضي، وشاركت فيها منتخبات الدول الخليجية الست.
وفي دلالة جديدة على أن مساعي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في ضرب المصالحة بين قطر والسعودية، لم تذهب هباء أكدت مصادر دبلوماسية مطلعة فشل جهود المصالحة وإنهاء المفاوضات بين قطر والسعودية وعودة الأزمة للمربع صفر.
وفي هذا السياق، نقلت «رويترز» عن 6 مصادر مطلعة أن محادثات بين السعودية وقطر لتسوية النزاع بينهما انهارت لتستمر الأزمة كما هي.
ونقلت الوكالة عن 4 دبلوماسيين غربيين في الخليج ومصدران مطلعان أن الأولوية لدى قطر في المباحثات كانت إعادة حرية انتقال مواطنيها إلى الدول الأخرى، وفتح المجال الجوي بهذه الدول أمام طائراتها، وإعادة فتح حدود قطر البرية الوحيدة، وهي مع السعودية.
لكن الإمارات، وفي اللحظة الأخيرة، عرقلت الوصول لهذا الاتفاق بل وطلبت من السعودية وقف دعم الاقتراح الأميركي والتوقف عن السير في طريق المصالحة مع الدوحة، وهو ما حرم إدارة ترامب من حسم أحد الملفات شديدة التعقيد في السياسة الخارجية بالشرق الأوسط، قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ويبدو أن الإمارات، بموقفها هذا ما زالت تفكر في مغامرة الغزو الفاشلة، ففكرة الغزو لم تغب أبدا عن رأس الساسة في الرياض وأبوظبي، وبدعم مصري منذ مبارك، فمحاولة 1996 كانت شاهدا على أن الفكرة مطروحة على الطاولة منذ حوالي ربع قرن، والذين لعبت هذه الفكرة الشيطانية برؤوسهم اعتقدوا بسذاجة متناهية أن صغر حجم الدولة، وصغر حجم السكان، يغري دوما بفكرة السطو السريع والمباغت.
وقد سمعنا تكرارا لنبرة الغزو على لسان نائب قائد شرطة دبي ضاحي خلفان، الذي دعا إلى «غزو» دولة قطر، وإبرام مصالحة مع إسرائيل، في سبيل إنهاء مشاكل المنطقة.
وفي صفحته على «تويتر» نشر خلفان عددا من التغريدات المثيرة للجدل، مع دخول الحصار على قطر عامه الرابع، وإصرار دول الحصار على شروطها لرفعه.
إلا أنه منذ عام 1996 ومحاولة الغزو الفاشلة تحول ميزان القوة الاستراتيجي لصالح قطر في مجموعة ملفات، أولها أن قطر أنشأت قناة الجزيرة والتي ظلت منذ ذلك العام وحتى 2003 القناة العربية السياسية الوحيدة التي تشكل الرأي العام العربي، واستمرت من 2003 وحتى اليوم تتسيد مشهد الإعلام الإخباري العربي،، فكانت عصا قطر الناعمة والخشنة في ذات الوقت.
كما أن تجربة غزو العراق والوجود الأميركي في المنطقة، والتوافق القطري الأميركي في كثير من الملفات، فرض مجموعة من التوازنات غير القابلة للخرق.
في كل ذلك، فتش عن الإمارات، التي لعبت دورا خبيثا للغاية، وقد شن مغردون حملة واسعة النطاق سياسات محمد بن زايد عبر وسم «شيطان_العرب» تنديدا بجرائمه داخل الإمارات وخارجها.
وشارك مغردون إماراتيون وخليجيون وعرب في الحملة المذكورة وسط تذكير بجرائم أبوظبي في اليمن وليبيا والعديد من الدول الأخرى.
وأبرز المغردون التدهور الشديد الحاصل في سمعة دولة الإمارات خارجيا منذ وصول محمد بن زايد إلى مقاليد السلطة خدمة لمؤامراته في التوسع والنفوذ.
كما نبهوا إلى دور محمد بن زايد في قيادة الثورات المضادة للربيع العربي والأزمة الخليجية فضلا عن تكرار فضائح التجسس والقرصنة.
لكن لماذا عملت الإمارات على إفشال الاتفاق بين قطر والسعودية؟
يجيب على ذلك الكاتب الشهير ديفيد هيرست عندما تساءل في مقال نشره موقع «ذي ميدل إيست آي» البريطاني عن دواعي محاولات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لإفشال اتفاق السعودية مع قطر.
ويقول إن محمد بن زايد يحتاج إلى صراع حتى يبقى يتمتع بنفوذ، وإنه من دون السعودية سيصبح قوة ضعيفة.
ويمضي هيرست بالقول إن «الحمقى» الذين تتحكم بهم حكومتا السعودية والإمارات أطلقوا قبل عامين تهديدات بما يمكن أن يحصل لقطر إذا لم تنضبط مثل البحرين، وأنها ستتحول إلى مجرد جرم يدور في فلك جيرانها الأكبر والأقوى والأكثر حكمة.
ويضيف أنهم كانوا يخططون لحفر قناة على امتداد الحدود البرية لقطر، ويقومون بإلقاء نفايات نووية فيها.
ويشير الكاتب إلى أن التهديدات المادية ضد قطر ترافقت مع تهديدات أخرى دبلوماسية، لكن قطر لم ترمش لها عين، بل إن التهديدات التي تم توجيهها إلى سيادتها الوطنية عززت الوحدة الوطنية، وقيم التفاني والولاء.
ويشير هيرست إلى أن اقتصاد قطر أصبح بعد عامين من الحصار أقوى مما كان عليه، وأنها الآن تنتج احتياجاتها من المواد الغذائية، وصار لديها المزيد من الأصدقاء في الولايات المتحدة، وأما قاعدة «العديد» فأصبحت أكبر مما كانت عليه.
ويقول هيرست إن ثمة تغييرات طرأت مؤخرا على نغمة التغريدات التي تصدر عن وكلاء كل من محمد بن زايد ومحمد بن سلمان.
copy short url   نسخ
09/08/2020
1839