+ A
A -
علاء اللامي كاتب عراقي
التعريفان الفرنسي والإنجليزي للإسلام السياسي، لا ينفيان مشبوهية هذا الاصطلاح باللغة العربية، ويثيران أكثر من تساؤل عن انعدام نظير أو مثيل له في حالات الأديان الأخرى، ولذا يمكن الاعتقاد بأنّه كمصطلح قد لا يكون منتوجاً للحالة السياسيّة العربيّة والإسلاميّة كما يبدو ظاهراً، بل هو ترجمة لمصطلح أمني وثقافوي استشراقي للمصطلح باللغات الأجنبية روَّج له العلمانيون والليبراليون القشريون العرب والمتكلّمون بالعربية من غير العرب ولأغراض معادية، ثم، وبمرور الوقت، تبعهم في ذلك جمهور عريض من حسني النوايا والمضلَّلين.
ما الدليل على هذا الاستنتاج؟ الدليل هو أنّنا لو بحثنا عن أيّ نظير مسيحي أو يهودي أو بوذي لهذا المصطلح فلن نجد. وقد بحثت شخصياً وطويلاً، وباللغتين اللتين أجيد التكلم بهما بشكل متواضع وغير احترافي، وهما الفرنسية والإنجليزية، فلم أجد نظيراً أو رديفاً لهذا المصطلح «الإسلام السياسي»!
فليجرّب من شاء التجربة وليبحث عن معنى لعبارة «المسيحية السياسية» أو «اليهودية السياسية» أو «البوذية السياسية» بعد ترجمتهما إلى أيّة لغة أجنبية، ثم ليتوصّل بنفسه إلى الاستنتاج الذي يرتضيه ويقتنع به. وبخصوص الديانة البوذية مثلاً، لن نجد مصطلح «البوذية السياسية» بل البوذية والسياسة» ومثل ذلك بخصوص «المسيحية والسياسة» أو «اليهودية والسياسة». فلماذا اقتُصِر مصطلح «الإسلام السياسي» على الإسلام ولم يقولوا - لا باللغة العربية ولا في اللغات الأجنبية - «الإسلام والسياسة» بل قالوا «الإسلام السياسي»؟
هل هناك بديل لمصطلح «الإسلام السياسي»؟ نعم، هناك الكثير والأكثر دقّة لغة ومضموناً! يمكن أن نقول: الأحزاب الإسلامية، القوى السياسية الإسلامية، التنظيمات الإسلامية، التيارات الإسلامية، ويمكن لنا أن نحدّد في التفصيل أكثر فنقول «الجهادية السياسية» و«السلفية الجهادية» أو «السلفية الانتحارية» تفريقاً بينها وبين الحركات السلفيّة السياسيّة المسالمة التي تخوض العمل البرلماني ولها ممثّلون في عدد من البرلمانات العربية كالكويت والمغرب بغضّ النظر عن فكرها وبرامجها السياسية إن كان لديها برامج، من دون أن يتغيّر المضمون المُراد، بل سيكون أكثر دقّة وبُعداً عن الشبهة والريبة والاستهداف الاستشراقيّ العنصريّ.
ختاماً، أسجّل أنّ أوّل من شكّك بهذا المصطلح هو رفيقي وأستاذي الراحل هادي العلوي في معرض نقده للعلمانية القشرية كما يروّج لها المتأثّرون بالاستشراقيّة الغربيّة، وقد كتب حينها (وهكذا يصبح العدو الأوحد لتسعين بالمائة من مثقفينا هو الإسلام (السياسي) هذه اللاحقة «السياسي» للتمويه، فالعدو هو الإسلام نفسه: تاريخه الحضاري وتراثه العظيم ومنجزاته العالمية التي مهّدت، بالتكامل مع منجزات الحضارة الصينية، لولادة العصر الحديث. ص46 من «كتاب المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة»). ولكن العلوي كان قد استعمل عبارة (الإسلام السياسي) في حواره المطوّل والمعمق مع الصديق الباحث خالد سليمان وزميله حيدر جواد؛ وهو الحوار الذي تحوّل إلى كتاب صدر بعد وفاته عن دار «الطليعة الجديدة» في دمشق تحت عنوان (هادي العلوي - حوار الحاضر والمستقبل). في هذا الكتاب قال الراحل: «بعد زوال الاتحاد السوفياتي تُفتح ساحة الصدام بين بعض الإسلام وكلِّ الغرب. وأعتقد أن الصراع لن يدوم لأن الإسلام السياسي بمؤسسيَّته الدينية لا يتناقض جذرياً مع الغرب خلافاً لأوهام أو مصادرات الكتاب الغربيين...فالتناقض لا يكون بين الأديان أو بين الأيديولوجيات لأنّ أساسه سياسي واقتصادي، نعم، سوف يتجذّر التناقض بين الإسلام السياسي والغربي إذا تبنّى الإسلام السياسيّ الاشتراكية الماركسية وعندئذ سيكون الانقطاع المطلق عن الاقتصاد الرأسمالي هو التناقض الأكبر والحقيقي». (ص 61). ولا يمكنني الجزم إنْ كان العلوي قد توصّل إلى قناعته بمشبوهية مصطلح «الإسلام السياسي» قبل أو بعد كتابته لهذا النص المقتبس والذي نقرأه في سياق مختلف قليلاً عن السياقات «العلمانوية» السائدة، فهو يُقرن - استعمالياً - وجود «إسلام سياسي» بـ «غرب سياسي» وقد لا يعدو الأمر كونه استعمالاً آنياً أوجبته الفكرة، أو أنّه كان قبل أن يرفض العلوي هذا المصطلح ويشكّك به في الاقتباس الأوّل.
{ عن «الأخبار» اللبنانية
copy short url   نسخ
09/08/2020
730