+ A
A -
محمد الشبراوي
تُدعى ناقةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العضباء، كانت سريعةً لم تُسبق، ثم سُبِقت يومًا؛ فشقَّ الأمر على الصحابة وقالوا: سُبِقَت العضباء! فلما سمع النبي ذلك -ومن هديه التربية بالمواقف والأحداث- قال: «إن حقًا على الله ألا يرفعَ شيئا من الدنيا إلا وضعه».
حكمةٌ بالغة يتعين التركيز عليها، لئلا يتلاعب بنا اليأس والاكتئاب والقلق وغيرها من أمراض العصر، ليست الهزيمة عارًا ولا عورة تستوجب الخجل والذهول والانكفاء على الذات، إذا ما تعاملنا بهذا المنطق مع انكساراتنا وفشلنا؛ فإن رصيدنا من سلامة الصدر والأمن النفسي يرتفع، ويتعزز سعينا لمواصلة الطريق.
يعصف اليأس بالمرء من وقتٍ لآخر، قد تُظلِم الدنيا في عينيه، ويحار في إتخاذ قرار صحيح ورأي نجيح. ليس معصومًا من الزلل أو الخطأ؛ فإن أدرك ذلك اختصر مدة الوقوف عاجزًا عن التصرف الحكيم، لينطلق بحزمٍ ورشد. قبل بلوغ الهدف وإدراك البُغية، ربما يقع المرء أكثر من مرة، لا حرج مطلقًا ما لم يتسمَّر في مكانه، ولم يركن إلى التواري عن هدفه، ولم يتراخَ عن حاجته، تكشف لنا لحظات الضعف عن جوانب لم نفطن إليها قبلًا؛ فإذا تمعنت الهدي النبوي في قصة العضباء؛ أدركت أن المبالغة في الجزع والضيق والحَنَق لا مبرر لها، والأيام دولٌ لا تثبُت على حال.
نرى -بين الفينة والأخرى- حوادث سيرٍ مؤسفة، يلعب التهوُّر دافعًا رئيسًا في وقوعها؛ فإن تفطَّن المرء إلى درس العضباء، سيغضّ الطرف عن الفوز في منافساتٍ رخيصةٍ لا خير فيها. إذا تيقنت المرأة أن الله تعالى لم يرفع شيئا إلا وضعه؛ خفَّفت العبء عن كاهل زوجها، ولم تبادر لشراء كل ما تقع عليه عينها من أشياءَ لا طائل منها، إذا أدرك طالبٌ -تعثَّر في دراسته- أن بإمكانه النهوض من جديد بلا يأسٍ أو خزيٍ أو انكسار؛ فإن فرصَه في التقدُّم والتفوق تزداد عما لو أكبَّ على جلد ذاته، وانبرى يعنِّفُ نفسه دون التركيز على ما ينبغي فعله، نُضِيعُ وقتًا ليس بالهين من حياتنا في الإبْلاس والقنوط، وبإمكاننا استثمار الوقت في تطوير أنفسنا، وتحسين قدراتنا وتعزيز فرصنا مع معالجة الثغرات.
إذا كانت نقطة الماء تحفر في الصخر موقعًا بتتابعها، فكيف تتصور وقعَ الحزن واليأس على قلبك؟! أنت لست ريشةً في مهبِّ الريح؛ فيتلاعب الإحباط بك ويجني عليك. في لحظة يأسٍ استسلمت سيلفيا بلاث للانتحار، وفي لحظةِ يأسٍ قاوم مارتن لوثر كينج، قاوم على الرغم من تأكيد الجميع له باستحالة نجاح مسعاه.
مهما كانت الضغوط التي تتعرض لها، ثق دائمًا أنك تملك طريقةً أفضل للتعامل مع الضغوط، والطريقة الفضلى تتطلب يقظة الذهن والمرونة، ولا يجمعهما مع اليأس بدن؛ فاحرص على مواصلة دربك بهدوء وتركيز، فإن تأخرت ابتسم وقل: سأدرِكُ ما فاتني، «وإذا استدرك الإنسان ما فات من علا/‏ فإلى الحزم يعزى لا إلى الجهل يُنْسَبُ».
لقد سُبقت العضباء، وأرشدنا النبي الكريم لدرسٍ ناجعٍ نافعٍ، ألا نبالغ في تقدير أمور تقبل الأخذ والرد؛ فهذا أدعى أن نمضي في حياتنا بتوازن دون مغالاةٍ مَقيتة.
استثمر مواقف مختلفة يتعرض لها أبناؤك، ووظِّفها في تعزيز توجههم الإيجابي في الحياة، ولا تدمر حياتهم بانتقاصهم وتدمير نفسيتهم لكبوةٍ ما ألمَّتْ بهم؛ فلقد سُبِقت العضباء.
[email protected]
copy short url   نسخ
08/08/2020
637