+ A
A -
منى بابتي كاتبة لبنانية
يعزّ عليّ أن أحمل قلمي اليوم لأبكيك «وطني الغالي لبنان»، يعز عليّ أن أتنفس هواءً وأطفالنا حرقها الهواء المشتعل في السماء، يعز عليّ أن أفتح عيوني وعيون بيروت قد أطفأها الرماد، يعز عليّ أن أكون ما زلت على قيد الحياة وأحبابي قد فارقوا الحياة.
كيف أبكيك لبنان؟!!! وهل يحق لمن فارقك أن يرثي الشهداء؟!!! كيف أبكيك لبنان؟!!! والبكاء قد اغتيل على وجوه الأمهات، كيف أواسيك وطني؟!!! ونحن مواطنون لا أكثر، ناجون من لسعة العقارب في أوكار مدننا الصماء، مجرد فارين من حزنك، من أرضك، من دمارك، من عذابك، مجرد غرباء.. كيف أرفع رأسي وطني؟؟؟ وأنا المهاجرة المتخاذلة العاجزة عن البقاء، الهاربة من سوط المتآمرين على أرضك الغناء.
سنوات مرت ونحن صامتون، نخبئ خيباتنا المتكررة وراء جواز سفر ناحب، وهوية لبنانية نخفيها بين الذكريات والأحلام، فقط لأننا نؤمن بلبنان، ولكننا لم نؤمن يومًا بكم يا «حكام لبنان»، لم نصمت يا «سادة الكراسي والمصالح» ضعفًا أو لأننا لا نملك في دمائنا شهامة الأجداد، ولم نحمل محافظنا وفررنا من سطوتكم خشية منكم أو جزعًا أن ترقصوا فوق مقابرنا رقصة الثعبان، ولم نرض «يا أصحاب الأحلام اللالبنانية» بما نقشتم على أجسادنا من آلام وأحزان بالغربة، خوفًا من أن تضيفوا صورنا إلى لائحة من اهترئت أجسادهم تحت الأقدام، نحن صمتنا فقط لأننا نود أن ننجو، فنحن في لبنان لا نعيش.. نحن فقط ننجو لنبقى أحياء.
كنت ما أزال لم أبلغ العاشرة من عمري عندما نقشت والدتي على يدي (اسمي ورقم هويتي)، وعندما سألتها عن السبب ابتسمت قائلة: «كي يعرفوا من نحن، حينما ننجو أو لا ننجو»، ولكننا نجونا وبقينا أحياء، وسنبقى أحياء.
تفجرون سماءنا، تتحول أشلاء شهدائنا لنجوم تحمي لبناننا، تبترون أطرافنا، تصبح أطرافنا المبتورة بكراهيتكم جسورًا لحريتنا، تكممون أفواهنا، ترتفع أصواتنا عبر تراتيل كنائسنا ومآذن مساجدنا، تشوهون أعيادنا، ترعبون أطفالنا، تدمرون بيوتنا، تقتلون أحلامنا، تغتالون أجسادنا، نموت ويحيا لبنان.
نحن شعب إن مات فموته حياة، حياة عنوانها لبنان. لن نموت على مسارح انفجاراتكم الانتقامية الهزلية، فنحن في كل مرة نموت ألما، نموت جوعًا، نموت خوفًا، نموت خنقًا، نموت حرقًا، نعود ونولد أحياء، فاللبناني يولد وفي يده طوق النجاة، طوق ياسمين، ينشر شذاه في كل مكان وفي كل زمان فواح بعطرالوفاء (نموت ونحيا لبنان)، نحن لا نعيش في لبنان، نحن ننجو فقط لينجو لبنان.
copy short url   نسخ
08/08/2020
933