+ A
A -
حالة من الترقّب يعيشها لبنان بعد أن أعلن مجلس الوزراء، الأربعاء، عن إنشاء لجنة إدارية مهمتها «التحقيق في الأسباب التي أدت إلى وقوع انفجار المرفأ» ورفع تقرير بالنتيجة في مهلة أقصاها 5 أيام.
وسيقوم مجلس الوزراء بإحالة هذا التقرير إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ أقصى درجات العقوبات بحق من تثبت مسؤوليته.
وعاش أبناء مدينة بيروت ومحيطها حالة من الرعب، بعد الانفجار الضخم الذي هزّ مرفأ العاصمة الثلاثاء وأدى إلى خسائر جسيمة في البشر والممتلكات.
بدأ اللبناني يتخطى هذه الصدمة من خلال مبادراته الفردية لإزالة الركام من المدينة وترميمها. وشهدت أحياء العاصمة على مدى يومين تكاتف بين مختلف جمعيات المجتمع المدني لرفع الأضرار. وخلف انفجار مرفأ العاصمة، ما لا يقل عن 137 قتيلا ونحو 5 آلاف جريح وعشرات المفقودين تحت الأنقاض، ونحو 300 ألف مشرد، وفق أرقام رسمية غير نهائية. كما تسبب في دمار مادي واسع طال المرافق والمنشآت والمنازل، وقُدر حجمه بنحو 15 مليار دولار، وفق تقديرات رسمية مرشحة للزيادة.
سلسلة خطوات للمحاسبة
يترافق ذلك مع سلسلة قراراتٍ اتُخذت في الداخل اللبناني لمحاولة معرفة من المسؤول عن هذه الكارثة. فالحكومة في جلستها الاستثنائية، الأربعاء، قررت وضع كل المسؤولين في مرفأ بيروت تحت الإقامة الجبرية إلى حين انتهاء التحقيقات.
بالمقابل، كلفت قيادة الجيش اللبناني، الخميس، الشرطة العسكرية بمتابعة تحقيقات انفجار مرفأ بيروت تحت إشراف القضاء المختص.
وقرر القضاء اللبناني، الخميس، منع سفر عدد من المسؤولين في مرفأ بيروت، على خلفية انفجار الثلاثاء.
وأفادت وسائل إعلام محلية بأن المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، أصدر بناء على التحقيقات بالانفجار، قرارا بمنع سفر كل من المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي، ومدير عام الجمارك الحالي بدري ضاهر، ومدير مرفأ بيروت حسن قريطم.
كما شمل القرار المسؤولين في المرفأ مصطفى فرشوخ، وميشال نحول، وفوزي البراكس، ونايلا الحاج، فيما أعلن القضاء العسكري اللبناني، الخميس، عن توقيف 16 موظفًا في مرفأ بيروت على ذمة التحقيق.
وكشف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي، فادي عقيقي، أن «الموقوفين حاليًّا على ذمة التحقيق بلغ عددهم 16 شخصًا، فضلا عن آخرين متروكين رهن التحقيق»، وذلك على خلفيّة الانفجار.
ولفت عقيقي في بيانٍ نقلته الوكالة الوطنية (رسمي) إلى أن التحقيق «شمل كافة الملابسات التي أدت إلى حصول هذا الانفجار الهائل، وما نجم عنه من سقوط شهداء وجرحى أبرياء من العسكريين والمدنيين، ووقوع أضرار جسيمة جدا».
وأكد أنه «تم استجواب أكثر من 18 شخصا حتى الآن، من مسؤولين في مجلس إدارة مرفأ بيروت وإدارة الجمارك، ومسؤولين عن أعمال الصيانة ومنفذي هذه الأعمال في العنبر رقم 12، الذي يحوي مادة (نترات الأمونيوم) العالي الدرجة (34.7 %)، المستعملة لتصنيع المتفجرات، بالإضافة إلى مواد ملتهبة سريعة الاشتعال وكابلات (فتيل) للتفجير البطيء».
بالمقابل، أعلن مصرف لبنان (البنك المركزي)، الثلاثاء، تجميد حسابات 7 موظفين في مرفأ بيروت، بينهم مديرا المرفأ حسن قريطم، والجمارك بدري ضاهر، وفق وثيقة صادرة عن المصرف اطلعت عليها «الأناضول».
وورد في وثيقة سربت عن المصرف مروسة بـ «هيئة التحقيق الخاصة ـ مكافحة غسيل الأموال»، قائمة بأسماء الموظفين السبعة، وهم حسن قريطم، وشفيق مرعي، وبدري ضاهر، نايلا الحاج، وميشال نحول، وجورج ضاهر ونعمة البراكس، دون تحديد مناصبهم أو مواقعهم الوظيفية.
ونصت الوثيقة على «تجميد الحسابات العائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة للأسماء المحددة، بالانفراد أو بالاشتراك، وذلك لدى جميع المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان».
المطالبة بتحقيق دولي
ويبرز جدال في الداخل اللبناني حول المطالبة بتحقيق دولي بحادثة المرفأ، ففيما ترى الحكومة كما أتى على لسان وزير الداخلية محمد فهمي في تصريحٍ صحفي أن لدى لبنان «الكفاءة اللازمة»، ترى جهات معارضة ضرورة اللجوء إلى التحقيق الدولي.
فرؤوساء الحكومات السابقين (سعد الحريري، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام)، دعوا في بيان «الأمم المتحدة أو الجامعة العربية إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية أو عربية من قضاة ومحققين يتمتعون بالنزاهة والحرفية والحيادية لمباشرة مهامهم في كشف ملابسات وأسباب ما جرى».
من جهتها، دعا تيار السمتقبل (حزب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري)، الأربعاء، في بيان: «الدولة بكل مؤسساتها ورئاساتها ومكوناتها، إلى تحقيق قضائي وأمني شفاف، لا يخضع للمساومة والإنكار والهروب من الحقيقة والالتفاف عليها مهما بلغت حدود المسؤوليات فيه».
ورأى أنه للوصول إلى ذلك «لا بد من طلب مشاركة دولية وخبراء دوليين ولجان متخصصة قادرة على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة لبيروت وأهلها».
ودعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الخميس، إلى تحقيقٍ دولي أيضاً.
وقال في مؤتمرٍ صحفي: «هناك تقصير فادح من القضاء والأجهزة الأمنية. اليوم يحاولون التبرأ، لذا لا نؤمن بلجنة تحقيق محلية، ولا نثق في المطلق بهذه العصابة الحاكمة».
المتهم محقّق
ويبرز جدال آخر متعلّق حول وجود مدير عام الجمارك بدري ضاهر في لجنة التحقيق التي الفتها الحكومة. البعض يعتبّر أن ضاهر مسؤول ولا يمكن له أن يكون لمتهم وجود في لجنة تحقيق.
وفي هذا الإطار، يقول المحامي فادي سعد للأناضول أنه قانونياً «لا يجوز أن يكون هناك متهمين ضمن لجنة تحقيق». وعن وجود ضاهر في اللجنة يقول سعد: «هناك تضارب مصالح».
لهذا السبب يطالب سعد بضرورة اللجوء إلى التحقيق الدولي «لعدم وجود ثقة بلجنة التحقيق المنشأ في مجلس الوزراء، ومعظم الأجهزة الأمنية في لبنان تتقاذف المسؤوليات، ولوجود شكوك كبيرة حول طبيعة هذا الانفجار»، مضيفاً: «هناك أسئلة كثيرة فيما يتعلّق بهذا الانفجار من حيث نوعية المادة المستخدمة وكميتها والجهاز الإداري اللبناني لا تستطيع إعطاء إجابة حقيقية بهذا الموضوع».
وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان، الخميس، مطالباً «إجراء تحقيق دولي مفتوح وشفاف».
وأكّد ماكرون أنّ «طائرة فرنسية جديدة ستصل إلى لبنان خلال الساعات المقبلة للمساعدة في التحقيق في انفجار بيروت».
copy short url   نسخ
08/08/2020
434