+ A
A -
نجوى إسماعيل صحفية لبنانية
من البديهي أن يتم اختيار أغنية «بيروت ست الدنيا» التي غنتها ماجدة الرومي وكتبها الشاعر نزار قباني في الثمانينيات من ضمن الأغنيات الوطنية في الحفل الأخير الذي أقيم بمناسبة عيد الجيش اللبناني، لكن من المستهجن والمعيب أن يتم التلاعب بكلمات الأغنية وتشويهها من أجل إرضاء فئة من الذين يرتعبون من كلمة الحق.
ففي سابقة تاريخية وابتكار مخجل قامت به، أصدرت الأوامر للفرقة الموسيقية قبل ساعتين من انطلاق الحفل، باستبدال جملة «إن الثورة تولد من رحم الأحزان» بـ «لا لا لا لا»، تلك الجملة التي كتبها الشاعر حين كانت بيروت تنزف، داعيًا إياها لأن تقوم من تحت الردم، ولسان حالهم «إياكم أن تذكروا كلمة «ثورة» فهي كلمة مرعبة، مخيفة، تقض علينا مضاجعنا، نريد لهذه الكلمة أن تلغى من قاموس اللغة العربية، إنها تثير الفزع في نفوسنا، احذفوها، استبدلوها بأدوات النفي، قولوا لا للثورة وكرروها مرة ومرتين وأكثر».
هذا ما حصل في وطن كان يومًا موطنًا للفن والحرية والجمال، حين كنا نغني الكرامة والحب، ونحارب بأغانينا الأحزان والأوجاع، يمتد اليوم فساد ثلة من أعداء الحياة إلى الفن أيضًا.
حذفوا عبارة «الثورة»، فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي استنكارًا، وخرجت المظاهرات بالسيارات تجوب المناطق على وقع أغنية «قومي من تحت الردم.. إن الثورة تولد من رحم الأحزان»، لقد سجل هؤلاء الأحرار انتصارًا جديدًا، لقد أرعبوا بثورتهم حكامهم الخائفين، بعد الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر، فيا لهشاشة نفوسهم، ويا لضعفهم أمام كلمة الحق!
جميعهم تنصلوا من المسؤولية، قيادة الجيش، مدير أعمال الفنانة ماجدة الرومي، قائد الفرقة الموسيقية، وغيرهم. لكن السؤال، كيف رضوا جميعهم بأن يستكمل الحفل ولم ينسحبوا احتجاجًا على هذا القمع للكلمة؟ لا عذر لهم، جميعهم شركاء!
أتساءل، ماذا سيفعل هؤلاء في لبنان ومن هم على شاكلتهم في مختلف عالمنا العربي، بآلاف الأغاني الثورية التي تحفظها الذاكرة العربية؟ هل يتحول نشيد الثورة الفلسطينية «وعهد الله نجوع نموت ولا نرحل، عهد الثورة والثوار والجماهير ما نرحل» فيصبح اسم الثورة والثوار أدوات نفي؟ ويتم تشويه أحد أناشيد الثورة السورية «سكابا يا دموع العين سكابا، على شهدا سوريا وشبابا.. ثورة كرامة ليوم القيامة..» فتصبح عبارة عن الكثير من الـ«لالالالا» لأن فيها الكثير مما يرعب أهل الظلم؟
من يدري، قد تكون هذه بداية حقبة جديدة من الفساد، روادها أعداء الكلمة والرأي الحر؟
copy short url   نسخ
07/08/2020
228