+ A
A -
علاء اللامي كاتب عراقي
«الإسلام السياسي»، شاعت هذه العبارة - المصطلح في العقود القليلة الماضية حتى اكتسبت نوعاً من البداهة والحياد الاستعمالي بفعل التكرار والانتشار حتى من قِبل باحثين عرب لا غبار على توجهاتهم ومنهجياتهم الوطنية والتقدمية، غير أن تدقيقاً عميقاً ومتمهّلاً في ماهيتها لغةً واصطلاحاً تجعلها أهلاً للشكّ النقديّ بل وللريبة والشبهة.
لغةً، تحيلنا هذه العبارة (الإسلام السياسي) إلى وصف «الإسلام» - كاسم علم لدين معروف، ومزجه بالسياسة على سبيل التخصيص ضمن التنويع، وكأن قائلها يؤمن بوجود أنواع من «إسلامات»، منها الإسلام الاقتصادي وليس «الاقتصاد الإسلامي»، وعلى هذا المنوال يُمكن اشتقاق عبارات من قبيل: الإسلام الصناعيّ والإسلام الزراعيّ والإسلام التليفزيوني.. إلخ، وهذه صيغٌ لا معنى ولا مسوّغ لغوياً لها.
أمّا مضموناً، فهذا المصطلح «الإسلام السياسي»، يعني توحيداً لجهة الماهية لاسم دين معروف ومحترم كسائر الأديان هو «الإسلام» بالسياسة بعُجرها وبجرها، وجعلها ماهية له مفردة به، لينتج عن ذلك شيء جديد هو دين سياسيّ خالص ومتفرّد في ذلك ومختلف عن سائر الأديان! فهل الإسلام هو دين سياسي، أم أنّه دين كسائر الأديان يستغلّه ويستلهمه السياسيّون وأهل السلطان وأهل الفكر والعقائد السياسية لخدمة مشاريعهم الخاصة؟
المرجّح عندي، بصدد ابتكار هذا المصطلح، احتمالان: فإمّا أن يكون من منتجات الترسانة الإعلامية والاستشراقيّة الغربيّة العنصريّة المعادية للإسلام والمسلمين عموماً، أو أنّه هفوة من نِتاج لغة مبتكر المصطلحات السياسية العاجزة عن الابتكار الإصلاحيّ الصحيح من قِبل مؤلفين ومترجمين عرب، والاحتمال الأوّل قد يكون أقوى من الثاني! كيف ذلك؟
بحثت عن هذا المصطلح بعد ترجمته إلى اللغة الفرنسية (L›islam politique) والإنجليزية (Political Islam)، فكان موجوداً في الموسوعات الحرّة على شبكة النت بهذه الصيغة، وسأدرج هنا التعريف الفرنسيّ للعبارة بعد ترجمته إلى العربية، وهو يقول (الإسلام السياسي: هو اسم عام لجميع التيارات الإيديولوجية التي تهدف إلى إقامة دولة على أساس مبادئ الإسلام، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع. وكقاعدة، هو مرادف للإسلاموية، والمصطلح الأخير يركّز على ما هو أكثر من توصيف سياسي لهذه الحركات من الناحية الدينية البحتة).
أمّا التعريف الإنجليزي لهذا المصطلح فموجود أيضاً، وهو يختلف قليلاً عن الفرنسي، ويمكن القول إنّه أكثر توازناً وأقل إثارة للريبة التي يثيرها التعريف الفرنسي. تقول ترجمة التعريف الإنجليزي (الإسلام السياسي: هو أيّ تعريف تفسيريّ للإسلام كمصدر للهوية والعمل السياسي. ويمكن أن يشير إلى مجموعة واسعة من الأفراد والجماعات الذين يحاولون تحويل الدولة والمجتمع وفقاً لما يرونه مبادئ إسلامية. ويمكن أن يشير المصطلح أيضاً إلى استخدام الإسلام كمصدر للمفاهيم والاستعارات لتوضيح المواقف السياسيّة. يمثّل «الإسلام السياسي» أحد جوانب النهضة «الصحوة» الإسلامية التي بدأت في القرن العشرين. علماً أنه لا تتم مناقشة جميع أشكال النشاط السياسيّ من قِبل المسلمين تحت عنوان الإسلام السياسي).
التعريف الفرنسي أكثر إثارة للارتياب، لأنه أكثر انشداداً إلى محاولة حصر هذا المصطلح بمضمون الإسلام الجهاديّ أو السلفيّ الأصوليّ ومن ثم تعميمه على الإسلام ديناً وحضارة بائدة وبشراً معتنقين له، وهذا يعني ضمناً شطب التيارات الإسلاميّة التنويريّة والديمقراطيّة أو المقاومة للاحتلال والهيمنة الغربية أو حتى الأصوليّة المسالمة أو خلطها ببعضها البعض ومساواتها كأجزاء ضمن كلٍّ يطلقون عليه «الإسلام السياسي».
التعريف الإنجليزي نجد فيه شيئاً من الموضوعيّة في المحتوى، وخصوصاً في احتوائه على عبارة «كمصدر للهوية والعمل السياسي» وفي اعتباره «أحد جوانب النهضة الإسلاميّة التي بدأت في القرن العشرين» بما يلمِّح إلى مفهوم «الصحوة الإسلاميّة» الشائع في النثر السياسي الحزبي الإسلامي، وهذه المفاهيم قد يكرّرها الإسلاميون دون تردّد أو تحفّظات رغم ما تثيره من إشكالات ماهوية في التحليل اللغويّ والمضموني.
{ عن «الأخبار» اللبنانية
copy short url   نسخ
06/08/2020
692