+ A
A -
خالد وليد محمود كاتب عربي
إنّ منظومة العلاقات الدولية في عالم ما بعد كورونا تتعرض اليوم لإعادة النظر والتقييم، هذه المنظومة التي أسس لها «توماس هوبز» في القرن السابع عشر من أن الدول كالإنسان، تتصرّف بأنانية، وتغلب مصلحتها على مصالح غيرها، ستبقى لها الغلبة في المنظومة، بينما ستمتد آثار جائحة كورونا لتفتح المجال لمراجعة قيم ومبادئ كثيرة تحكم أدبيات العلاقات الدولية على المديين المتوسط والبعيد وعلى رأسها مفهوم القوة التي أصبحت محل تساؤل عميق! ثمة من يرى بأن أزمة كورونا قد قرعت ناقوس الخطر بأن التصدي للتهديدات التقليدية للدول على أهميته وضرورته إلا أنه ليس بكاف في ظل وجود تهديدات من نوع جديد وضعت الدول بأسرها في حرب غير متكافئة مع عدو غير مرئي وبالتالي غير تقليدي. وكما هو معروف فإنه لخوض الحرب والانتصار فيها تدور أولويات الدول حول محور القوة العسكرية، وهذه الأخيرة لم تعد تجد نفعا في مواجهة عدو من نوع مختلفة كفيروس لم تهيء له البشرية الأدوات اللازمة للتعامل معه، ولم تنفع في مواجهته الأسلحة التقليدية ولا غير التقليدية التي تستخدم في المعارك والمواجهات العسكرية. فالصين أو أميركا النوويتان مثلا في ضوء هذه المعايير، لم تكونا بالضرورة أقوى من سنغافورة أو فنلندا في مواجهة الوباء! إذن؛ لم تكتف المواجهة مع جائحة كورونا بتعديل مفهومنا لقوة الدولة وضعفها، بل غيَّرت أيضا من اتجاه البوصلة الذي ينبغي أن يشير إلى مكامن القوة الحقيقية. فهذا النمط الجديد من الحروب يفرض على الدول أن تستثمر أيضا في عناصر القوة التي تتجه إلى الداخل بدرجة أولى وليس إلى الخارج مثل القطاع الطبي والتعليمي والغذائي...الخ.
التهديدات التقليدية وغير التقليدية لم تنته بعد ولن تنتهي، ولكن المغزى من هذه السطور هو تسليط الضوء على أن أبرز المستجدات التي طرأت على مفهوم القوة والأمن القومي للدولة الوطنية، ستكون محل نقاش خبراء العلاقات الدولية والعلوم السياسية ومراكز البحث والذين سيضيفون للقوة التقليدية آليات وأطر جديدة للحفاظ على الأمن القومي خلال الأزمات والجوائح وفق معايير أخرى لن تقتصر على القوة الصلبة (العسكرية) البحتة.
copy short url   نسخ
05/08/2020
496