+ A
A -
أدهم شرقاوي
إن الإيمان لا يُلغي طبائع الناس وإنما يُؤدِّبها، ولا يمحو غرائزهم وإنما يُهذِّبها، الإيمانُ لم يُلْغِ عاطفة الأبوة عند نوحٍ عليه السلام حين غرقَ ابنه، فسألَ الله عنه، فلما نهاه انتهى! وعُمر بن الخطاب الصَّلب شديد الطَّبع في الجاهلية، بقيَ صلباً حازماً في الإسلام، ولكن الفارق حين تتحول الشِدَّة في الباطل إلى شِدَّة في الحق، وهنا تكمُنُ عَظَمَةِ الإيمان!
لا يستطيع الإنسان أن يخرجَ من قفصِ بشريته مهما بلغ من الإيمان عتياً، مهما كانتْ الزوجة مُؤمنة ستغار من ضرتها، الأمر لا علاقة له بالإيمان بقدر ما له علاقة بهذه النفسِ البشريةِ التي جَبَلَنا الله سُبحانه عليها!
كانتْ أُمُّنا عائشة جالسةً يوماً مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالتْ له: حسبكَ من صفية كذا وكذا! أي أنها قصيرة القامة!
فقال لها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: يا عائشة لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَتْ بماءِ البحرِ لمزجته!
رغمَ أن صفية قصيرة فعلاً ولم تتجنَّ عائشة عليها، إلا أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عدَّ ذلك غيبةً عظيمةً، فقد سبقَ وأن عرَّفَ الغيبة بقوله: الغيبة ذكركَ أخاك بما يكره!
فقال رجل: يا رسول الله أرأيتَ إن كان في أخي ما قلتُ فيه؟
فقال له: إن كان فيه ما قلتَ فيه فقد اغتبْتَه، وإن لم يكُنْ فيه فقد بهتَّه!
يعتقدُ الناسُ أنهم وهم يغتابون الآخرين أن لا شيء في الأمر طالما هي حقائق! وكأن الحقيقة تُبيحُ لكَ أن تأكلَ لحوم الناس!
تجدُ المجالس ضيافتها لحوم الناس، يُقرمشونها للتسلية، وإشباع حاجة الفضول والثرثرة! لا يَسلم منهم دين فلان ودُنياه، ولا عرض فلانة وحياتها، وكأنهم رُقباء على الناس، وهؤلاء في الأغلب إذا أردتَ أن تنتقدَ أحوالَهم لا تعرف من أين تبدأ!
أما عن البُهتان فحدِّثْ ولا حرج!
كم من زواجٍ أُلغِيَ فقط لأن أحدهم ألَّفَ للخاطب قصة عن المخطوبة هي منها براء براءة الذئبِ من دمِ يوسف عليه السَّلام!
وكم من رزقٍ قُطِعَ فقط لأن أحدهم هوايته تركيب الأفلام في حياة الناس!
وكم من صدقة قُطِعَتْ عن فقيرٍ مُحتاجٍ فقط لأن رجلاً ضيِّق الصدر والقلب أخبر المُتصدِّق أن فلاناً ليس فقيراً وأنه يشتري ويصرف هذا فقط لأنه رآه يوماً حاملاً ربطة خبز لأولاده، أو شاهده عند الجزار أو بائع الخضار! يريدُ هذا الباهت أن يدفنَ الناس أحياء!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
02/08/2020
1315