+ A
A -
هاتفتني عند الساعة السابعة تمامًا من يوم الخميس صباحًا قائلة: «ينعاد عليكي»، وقبيل أن أرد المعايدة.. تابعت: «عن أي عيد نتحدث، وكلنا متعبون، كل من تحدثت معهم يشعرون بالحزن والملل، لقد أصابنا الحزن الجماعي، لا نشعر بالفرح، الحقيقة أننا لا نشعر بالعيد»، وعندما هممت بالرد، تابعت: «أعلم أن لا رغبة لك في التحدث معي، لكنني قلت لنفسي من الواجب أن أقول لك كل عام وأنتم بخير، سلام»، وأغلقت الهاتف.
ابتسمت، ثم هممت بالخروج.. لا لشيء.. ولكنه عيد. وهناك أمام باب السيارة، وجدتها - جارتي صاحبة السيارة الحمراء.. لم أتمكن من إلقاء التحية حتى انهالت علي التحيات والقبلات، ثم تابعت قائلة: «كل عام وأنتم بخير، من المؤكد أن حالكم يشبه حالنا، لا عيد ولا فرح، وكيف نشعر به في ظل هذه الظروف، من منا يستطيع أن يفرح اليوم، المهم في أمان الله نلتقي»، وحينما حاولت الرد عليها غابت عني في سيارتها وغادرت.
صمتت وتابعت طريقي، وبينما كنت أحاول أن أتعايش مع شعوري المتواضع بالفرح، فالدنيا تستعد لاستقبال العيد، جاءتني رسالة واتسية: «صديقتي الغالية، كل عام وأنتِ وعائلتك بألف خير، للصراحة نسينا العيد..».
هنا أوقفت السيارة، وأمسكت جوالي، ودونت لصديقتي قصة عشتها منذ سنوات مع أحد الأطفال في مكان يشبه كل شيء إلا ساحة العيد، ثم هاتفت صديقة الصباح ولم ألق عليها التحية، وسردت عليها قصتي بشكل سريع وأغلقت الهاتف، وتابعت مشواري، أحضرت أغراضي، ثم عدت أدراجي، واقتربت من باب جارتي، فوجدتها أمامي، فسارعت في سرد قصتي وغادرت، دون أن أنتظر منها كلمة واحدة.
وقبيل أن أضع قلمي، لأنني على موعد مع العيد، وسأضع القليل من أحمر الشفاه ليتناسب مع ابتسامة العيد وفستاني الأحمر الرقيق، ليس هذا فحسب، بل سأخرج مع عائلتي التي ما زالت بخير- ولله الحمد- لأستنشق فرحة العيد، في عيون الأطفال، وابتسامات الكبار.. أوصيكم أن تفرحوا بالعيد وتحسنوا استقباله.. فالدنى عيد، هذا ما تعلمته من ذلك الطفل العربي ابن السنوات الست، حينما توجهنا عام 2011 لزيارتهم في ذلك المخيم اللبناني القائم على الحدود، وصلنا هناك مبكرين، وبدأنا نوزع عليهم الهدايا والثياب، اقتربت صديقتي الصحفية من أحد الأطفال وهي تحمل كاميرتها محاولة التقاط فيلمها القصير، لتتمكن من عرضه لتخبر العالم عن أوضاع أولئك الأطفال، اقترب منها الصبي الصغير، شد ثوبها إلى الوراء، محاولاً الوصول إلى أذنها، انخفضت صديقتي نحوه متسائلة عما يود قوله، فأخفى عدسة كاميرتها بيده، ومسح رأسه بيده محاولاً تنظيم شعره المبعثر، ثم شد ياقة كنزته البالية، ووقف مبتسما قائلاً: «لحظة.. الدنى عيد، لازم تصورينا ونحنا فرحانين»، ثم غرق في السعادة وغمزها بعينه السوداء الجميلة، وهو يضحك: «الآن صوريني، الدنى عيد».
في تلك اللحظة، تعلمت من ذلك الفتى الصغير أن العيد لا يحتاج إلى ثياب جيدة، أو أحذية جلدية فاخرة، أو حتى بيوت زاخرة بكل أنواع الرفاهية، كل ما تحتاجه هو قلب يدرك الفرح، ونفس ترضى بالقدر.
أفلا رضيتم بما كتبه الله لنا، وسمحتم للعيد بأن يخترق قلوبنا، وكل عام وأنتم بخير، فالدنى عيد.
copy short url   نسخ
01/08/2020
400