+ A
A -
داليا الحديدي
شكرت ممرضتي بامتنان عقب عملية جراحية أجريتها منذ فترة.. ونظرت إليها كملاك رحمة يوم أعطتني جهازًا كان يخول لي بمجرد الضغط على أحد أزراره، أن يزول الألم.. وكانت تقول: كرري الضغط كلما زاد الألم.. ولسوف يذهب عنك البأس وكلما ضغطت أكثر، كلما اختفت آلامك.
لذا، فطوال فترة إقامتي بالمشفى كنت أنظر للأطباء وطاقم التمريض بإجلال كبير، حتى جاء آخر يوم بإقامتي بالمشفى، وإذ بهم يخطرونني بأن الزر الذي كنت أضغط عليه كان يحقنني بجرعة «مورفين» يطلقون عليه «بان كيلير»..
Pain Killer
لم يتأثر جسدي بتلك الجرعات، فيما تأثر سلباً جسد مريضة أخرى فأدمنته، حتى أنها رفعت دعوى ضد المشفى طالبت فيها بتعويضات كبيرة لزيادة كمية التخدير التي تم حقنها بها.
لذا قلما أؤيد مخدرات الألم، وبالمثل، أفضل صديقا يبوح لي بوضعي المزري ليهدي بصيرتي عما تعشاه عيني.. عن آخر يخدرني بكذيبات آسنات.. مفادها على سبيل المثال: انه لا داعي للطموح، فالعشوائيات طيبة ولمتها دافئة وطوبى لحياة المعدمين..
أو أن الموظف الذي ينتظر الراتب الضئيل أول الشهر قد يكون أسعد وأهدأ بالاً من رجل الأعمال صاحب المليارات، لأن الموظف لا ينتظر طفرات وهذا يجعله فاقداً للطموح، ما يستنتج منه أن فقد الطموح راحة!
أتصدقون أن الفقراء يحرمون الطموح ؟
كلا وربي بل يئدونه كما يئدون بناتهم خوفاً من عار المحاولات التي ستفضح فقر عزيمتهم وصفر إصرارهم أو عجزهم.
هل تجسست يوماً على حلم فقير؟ أفتحت عليه باب أمنياته؟ هل شاهدت شغفه العاري بفيلا مديره؟
هل طالعت ضمير ربة رمنزل مهمشة تنظف الموقد وزجاج النافذة فتنصدم من هيئتها الرثة، فتهرب لنوبات أحلام يقظة تتخيل نفسها «دوقة ويلز» تتمنى فستان «كيت ميدلتون» وصولجانها، قصرها وحاشيتها؟ هل تنصت على صومعة ناطورك فرأيته يضع قلمًا بطرف فمه متخيلا نفسه الزعيم «تشرتشل» بغليونه يأمر فيطاع، ويطلب فيجاب؟ هل دسست نفسك بين هيامات متسول متضجع على الأرصفة تحسبه صفر التطلعات فيما يتخيل نفسه شيئا آخر،
تعطيه حسنة، فيشكرك برضا، يتفوق أداؤه التمثيل فيه على أداء الممثل حسين رياض، بل لتحسبنه، روميًا تبريزيًا بامتياز؟
انهم لا يفتقرون للطموحات ولا يعدمون الأحلام، ولكن لربما نفتقد نحن البصيرة التي ترينا ضمائر المعوزين.. كما أنه لم تتح لهم فرصة الضغط على زر يحقنهم بجرعة مورفين، فيخدرون أنفسهم برضا يستره عدم وجود فرص أو تفضحه لوتاريات اطلب واكسب معنا. محسدة محقرة هي الحياة، وإنما يزهد الناس فيما يملكونه لا فيما يفقدونه.. وجميل أن نقنع لكن المؤسف أن نتوهم أن المعوزين ليس لديهم طموح ورغبات.. فيما الحق أنه ينقصهم معرفة سبل تحقيق رغباتهم.
copy short url   نسخ
01/08/2020
558