+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أجمعت كتب الوجوه والنّظائر في القرآن الكريم أنّ لفظ الهدى وما اشتقّ منه أكثر الألفاظ وجوهاً، ففي تفسير لفظ الهدى وما اشتقّ منه وجوهاً كثيره، وذلك في قوله تعالى: (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) يعني على بيان من ربّهم، وقوله (قَدَّرَ فَهَدى) يعني بيّن له سبيل الهدى وسبيل الضّلالة.
كذلك قوله تعالى: (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) يعني على دين مستقيم حقّ، وهو الإسلام. وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ) يعني: إنّ الدّين دين الله وهو الإسلام، وهو الحقّ ونحوه كثير. وقوله تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) يعني يزيدهم إيمانا. وكذلك في قوله تعالى: (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى) يعني عن الإيمان. والهدى يعنى دعاء، في قوله تعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) يعنى داعيا يعنى نبيّا، وكذلك في قوله: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ) يعنى يدعون «بأمرنا».
أيضاً الهدى يعني المعرفة وذلك في قوله تعالى: (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) يعني يعرفون الطّرق، وكذلك (ثُمَّ اهْتَدى)، ثمّ عرف الصّواب. وكذلك:( فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) يعني لعلّهم يعرفون الطّريق.
أما ما يعني أمراً، يعني أمر النبي، وذلك قوله (الّذين كفروا مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) يعني أمر محمّد أنّه رسول الله وقامت عليهم الحجّة بالنّبيّ والقرآن. وفي قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) يعني أمر محمّد أنّه رسول الله.
وجاءت الهدى بمعنى الرشد، وذلك في قوله (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي) أن يرشدني (سواء السّبيل)؛ وكذلك في قوله: (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) يعني أرشدنا.
والهدى يعني القرآن، وذلك في قوله (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) يعني القرآن فيه بيان كلّ شيء. وفي قوله تعالى: (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) يعني القرآن.
والهدى يعني التّوفيق، في قوله تعالى: (أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) إلى الاسترجاع والصّبر، يعني هم الموفّقون. وكذلك في قوله تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) يعني يوفّق قلبه إلى الاسترجاع عند المصيبة ويسلّم ويرض ويعرف أنّها من الله.
وكذلك يعني الإلهام، في قوله تعالى:( الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) يعني ألهمه لمرعاه، فمنها ما يأكل النّبت، ومنها ما يأكل الحبّ، ومنها ما يأكل اللّحم، وقوله (خلقه) يعني صورته الّتي تصلح له. قال: (ثُمَّ هَدى) يعني ألهمه كيف يأتي معيشته ومرعاه، وذلك قوله تعالى: (سبّح اسم ربّك الأعلى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) يعني قدّر الخلق، الذّكر والأنثى، فهدى يعني ألهم كيف يأتيها وتأتيه.
لذلك الهدى ينير قلب المؤمن بنور العلم والإيمان، فهو من أكبر نعم الله على العبد أن يهديه الله سبيل الرّشاد، والهدى هديان: هدى الله الّذي لا يقدر عليه مخلوق. وهدى الدّلالة ما يستفاد من الرّسل وأتباعهم، فهو أساس التّوحيد فمن أخلص العبادة لله وحده كان من المهتدين، فقد كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم كثيراً ما يبتهل إلى الله عزّ وجلّ بالدّعاء لأقوام وأفراد يسأله الهداية لهم، فالهدى كلّ الهدى في كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
copy short url   نسخ
19/07/2020
583