+ A
A -
بقلم- الدكتور عدنان ستيتية
أصدر مؤخرا مصرفان في دولة قطر، بياناً مشتركاً، أعربا فيه عن نيتهما ومباشرة المفاوضات بشأن احتمال اندماجها في كيان اقتصادي مصرفي إسلامي؛ بحيث يعتبر هذا التكتل من أضخم المصارف على مستوى المنطقة، وذلك بامتلاكه أصول (موجودات) تزيد عن 164 مليار ريال قطري، أي ما يعادل 45 مليار دولار أميركي، وحقوق ملكية تزيد عن 19 مليار ريال قطري، أي ما يعادل 5,2 مليار دولار أميركي.
وفي هذا السياق، نود أن نعود مجدداً لبحث الاندماج كخيار إستراتيجي، سواء للشركات بشكل عام، أو للبنوك والمصارف على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار يمكن القول ان الاندماج بشكل عام يمثل خياراً استراتيجياً؛ وذلك لتحقيق جملة أهداف، من أهمها توحيد الجهود للاستفادة من مزايا الحجم الكبير في الإنتاج، وفي استخدام التكنولوجيا المتطورة وتطبيقاتها، ولتخفيض تكلفة الإنتاج، ولرفع الإنتاجية ولتعزيز القدرات التنافسية، وذلك باغتنام الفرص الناجمة عن نقاط القوة لكل طرف من أطراف الاندماج.
والاندماج قد يأتي إما كأحد السبل والبدائل لمواجهة أزمة ما، أو كتوجه استراتيجي لاغتنام فرص نمو استراتيجية، وزيادة حصة الشركات/‏‏البنوك والمصارف المندمجة من السوق.
أما في الوقت الحاضر، آخذين بعيد الاعتبار الآثار المتوقعة لجائحة كورونا، فإنه من المرجح، أن ترتفع وتيرة الاندماجات أو تملك الشركات والبنوك والمصارف لبعضها البعض. إما بناءً على مزايا تفضيلية لشركة مقابل أخرى، أو لتعثر شركة وامتلاك شركة أخرى لها، لتصويب أوضاعها واغتنام فرص النمو الضائعة أو المهددة بالضياع.
ولا شك بأن جائحة كورونا، قد شكلت صدمة مزدوجة، وأزمة كونية مركبة غير مسبوقة، حيث تمثلت تلك الصدمة، بتراجع كل من العرض والطلب، على السلع والخدمات بآن واحد، في معظم أنحاء المعمورة؛ وذلك نتيجة لتوقف الإنتاج، وبالتالي تراجع العرض وانخفاض الطلب، إلى مستويات غير مسبوقة، هذا بالإضافة إلى تحمل تكاليف تشغيلية ثابتة، كالأجور والإيجارات من جهة، هذا بالاضافة إلى التغيرات الهيكلية، التي من المتوقع أن تشهدها الأسواق وبيئة الأعمال من جهة أخرى، حيث سيكون لجائحة الكورونا دور كبير في إعادة رواج ظاهرة الاندماجات، أو تملك الشركات أو البنوك والمصارف لبعضها البعض.
وقد يأتي التوجه للاندماج لتصويب بعض التوجهات السابقة التي اتسمت بزيادات متعاقبة لرؤوس أموال الشركات والتوسع في الأنشطة، الذي شكل في السنوات الأخيرة كظاهرة (موضة) اتبعتها بعض الشركات مجاراة لشركات أخرى، أو استجابة للتغيرات الهيكلية في السوق.
مهما يكن الدافع والتوجه نحو الاندماج، فإننا نعتقد بأنه على الشركات والبنوك والمصارف على حد سواء، إعادة ترتيب أولوياتها وإعادة تقييم مشاريعها وأنشطتها، وتحليل محافظها الاستثمارية، وذلك للتخلص من المشاريع والأنشطة ذات العبء على التدفق النقدي، والمشاريع والأنشطة ومحافظ الاستثمار ذات العوائد الضعيفة، وتجميد بعض الأنشطة التي تتسم بفترة نضوج طويلة نسبياً ذات الإنكشاف المالي الكبير والعوائد المتدنية.
أن أهم البدائل الموجودة أمام الشركات والبنوك والمصارف على حد سواء، لمواجهة تحديات وآثار جائحة كورونا، وبالتالي الأزمات المالية والاقتصادية الارتدادية المتعاقبة لها وانعكاساتها على السوق المحلية، أن يتم إعادة ترتيب الأولويات وهيكلة الشركات/‏‏البنوك والمصارف، بحيث يتم توحيد الجهود والاستفادة من دروس جائحة الكورونا واستخلاص العبر، لتخفيض التكاليف التشغيلية الثابتة وغيرها من المصروفات وأوجه الإنفاق. وذلك لضمان الاستمرارية والنمو والاستعداد لمواجهة المنافسة المحتملة. ولا يمكن تحقيق تلك الأهداف إلا بتوحيد الجهود من خلال الاندماج أو تملك الشركات/‏‏البنوك والمصارف لبعضها. وهذا هو التوجه الاستراتيجي السليم الذي بدأنا نلمسه من خلال الاندماج المحتمل مابين المصارف آنف الذكر الذي يؤشر إلى احتمال ارتفاع وتيرة الاندمجات وتملك الشركات/‏‏البنوك والمصارف لبعضها في المستقبل القريب.
وأنه من المنتظر لأي اندماج إذا ما قام على أسس سليمة، أن يؤدي إلى رفع الإنتاجية، وتخفيض تكلفة الإنتاج، والتخصص والكفاءة في الإنتاج، وترشيد الإنفاق. كما سيمكن الشركات/‏‏البنوك والمصارف المندمجة والمتحالفة من الانتقال إلى مرحلة جديدة من النمو، وسيمكن أيضاً من الأخذ بالأساليب العلمية والعصرية في التطور والتوسع، وسيؤدي إلى توحيد الجهود للإستفادة من مزايا الحجم الكبير في الإنتاج وفي استخدام التكنولوجيا المتطورة وتطبيقاتها كما سبق وأسلفنا. ومن الممكن أيضاً أن يؤدي في حالات معينة إلى زيادة الحصة من السوق المحلي والاقليمي، وبالتالي إلى تنويع مصادر الدخل هذا من جهة، أو التركيز على التخصص والكفاءة في الإنتاج والخدمات ذات القيمة المضافة من جهة أخرى.
كما أن أي إندماج ما بين الشركات الوطنية سيؤدي إلى تعزيز القدرات التنافسية لتلك الشركات، وتمكينها من اغتنام فرص النمو الإستراتيجية.
إن التوجه نحو الإندماج هو توجه مرغوب فيه، إذا ما قام على أسس سليمة، سواء لمواجهة نتائج الأزمات المالية والاقتصادية المتعاقبة وإنعكاساتها، أو بهدف تعزيز القدرة التنافسية، وإغتنام فرص النمو الإستراتيجية.
وعكس ما يعتقده البعض، بأن يؤدي الإندماج إلى احتكار في السوق، فإننا نعتقد بأنه ليس من شأن الإندماج أن يؤدي إلى الاحتكار في السوق، بقدر ما يؤدي إلى رفع الكفاءة في الإنتاج وتقديم المنتجات والخدمات بنوعية أفضل وبسعر أنسب. وذلك بتعدد البنوك والمصارف المنافسة التي مازالت تتمتع بحصة كبيرة في السوق بعد الاندماج المتوقع. وفيما يتعلق بدولة قطر، فإننا نعتقد بأنه نظراً لمبادئ الحرية الإقتصادية المنصوص عنها في الدستور، وللنسق الإقتصادي المعتمد في دولة قطر، والقائم على الحرية الإقتصادية وتكافؤ الفرص، فإننا نستبعد أن يؤدي أي إندماج في دولة قطر إلى نشوء حالة من الإحتكار. حيث يقدم القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، الضمانة لاستبعاد الاحتكار، وإلى وضع الآليات الكفيلة بمكافحة الممارسات المخلة بالمنافسة والاحتكار. كما أن الهدف من القانون هو تعزيز المحافظة على البيئة التنافسية لقطاع الأعمال، في إطار من العدالة والشفافية، وضمان قيام الأسواق بدورها لتمكن الشركات من التنافس بحرية، ويتيح للمستهلكين إمكانية جني الفوائد المرجوة من المنافسة. وبالتالي، يعتبر قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية هو الأساس والمرجع لتطبيق سياسة المنافسة في دولة قطر.
copy short url   نسخ
16/07/2020
2161