+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي أستاذ التفسير وعلوم القرآن كلية الشريعة جامعة قطر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
اليقين هو العلم وإزاحة الشّكّ وتحقيق الأمر، فهو نقيض الشّكّ، والعلم نقيض الجهل، تقول علمته يقينا (أي علما لا شكّ فيه) وفي التّنزيل العزيز: (إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) أضاف الحقّ إلى اليقين لا أنّه غيره، إنّما هو خالصه وأصحّه، فصار بمنزلة إضافة البعض إلى الكلّ، واليقين هو الموت في قوله تعالى:(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
فاليقين هو العلم بالشّيء بعد أن كان صاحبه شاكّا فيه، ولذلك لا يطلق على علمه تعالى. فهو الاعتقاد الجازم الثّابت المطابق للواقع، وقيل: هو عبارة عن العلم المستقرّ في القلب لثبوته من سبب متعيّن له بحيث لا يقبل الانهدام.
قال ابن القيّم رحمه الله ومن منازل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) منزلة اليقين وهو من الإيمان بمنزلة الرّوح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمّر العاملون، وعمل القوم إنّما كان عليه، وإشاراتهم كلّها إليه، وإذا تزوّج الصّبر باليقين. ولد بينهما حصول الإمامة في الدّين. قال تعالى:- وبقوله يهتدي المهتدون-، (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ)، وخصّ سبحانه وتعالى أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال- وهو أصدق القائلين- (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) وخصّ أهل اليقين بالهدى والفلاح بين العالمين، فقال سبحانه: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وأخبر عن أهل النّار: بأنّهم لم يكونوا من أصحاب اليقين، فقال عزّ من قائل:(وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ)، فاليقين روح أعمال القلوب الّتي هي أرواح أعمال الجوارح وهو حقيقة الصّدّيقيّة، وقطب هذا الشّيء الّذي عليه مداره، واليقين قرين التّوكّل، ولهذا فسّر التّوكّل بقوّة اليقين. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا وانتفى عنه كلّ شكّ وريب، وهمّ وغمّ، فامتلأ محبّة لله، وخوفا منه، ورضى به، وشكرا له، وتوكّلا عليه وإنابة إليه، فهو مادّة جميع المقامات والحامل لها.
فاليقين يزيد المسلم من ربّه قربا وحبّا ورضى، فهو هو لبّ الدّين ومقصوده الأعظم، ويورث التّوكّل على الله والزّهد فيما عند النّاس، ويكسب صاحبه العزّة والرّفعة ويباعده عن مواطن الذّلّة والضّعة، وهو ضابط قويّ يرقب العلاقة بين المسلم وربّه ويجعلها تلتزم خطّ السّلامة والأمان حتّى يصل إلى دار الرّضوان.
copy short url   نسخ
15/07/2020
1073