+ A
A -
محمد سي بشير أستاذ جامعي وباحث جزائري
من المستحيل تصوّر أنّ رجالا استشهدوا منذ قرن ونصف القرن يمكنهم رسم مستقبل أوطانهم التي عادوا إليها مكرّمين، وكأنّهم سياسيون ورجال دولة سيسهرون، من قبورهم، وبزخم ذكراهم، على بناء سياق جديد للحكم، وسياسة عامّة يتمنّى الجزائريون أن يصلوا بها، إن تغيّرت واستقامت، إلى تبوّؤ بلادهم الموقع الذي تخيّله هؤلاء الأبطال وهم في عالم الخلد.
تحتاج القراءة المتأنية لرمزية عودة تلك الجماجم إلى الجزائر فهما وتوجيها مختلفيْن عن مجرّد الاحتفاء واعتقاد أنّ ثمّة نصرا ما تمّ إنجازه على المظلوميات الاستعمارية الفرنسية، إذ إنّنا، في كلّ الحالات، مكلّفون باستلهام الدّروس التّاريخية، السياسية والإرشادية لجزائر المستقبل.
على المستوى التّاريخي، هناك بداية لعمل مضن سينتهي، حتما، وفق المسار القانوني، باعتذار فرنسا عن تلك الجرائم الاستعمارية، إذ إنّ مجرّد إطلاق سراح تلك الجماجم هو اعتراف ضمني يمكن الاستثمار فيه لإجبار فرنسا على الدّخول في عمليةٍ تفاوضيةٍ يُعاد للذّاكرة فيها دورها في تهدئة العلاقات بين البلدين، والتي يجب أن تمرّ، مهما طال الزمن، عبر جسر ثلاثية منطقية/‏ قانونية تتضمّن الاعتراف بالجرائم، الاعتذار ثمّ التّعويض.
إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية، خصوصا من جانب فرنسا، فإنّ قبول باريس تسليم تلك الجماجم هو تسليم منها بوقوع فظائع في المناطق التي استشهد فيها هؤلاء الأبطال (شمال الصحراء الجزائرية)، حيث إنّ كل الوثائق التاريخية التي أرّخت لتلك المعارك أجمعت، بأقلام فرنسية، على أنّ احتلال مناطق بعينها استلزم إبادة ساكنيها، وخصوصا في الأربعين سنة الأولى من الاستيطان الفرنسي للجزائر (1830 - 1870) التي راح ضحيتها الملايين قتلا وتجويعا فضلا عن الترحيل، التعذيب والسّجن، بل والنّفي إلى جزر بالمحيطين، الهادي والأطلسي (كاليدونيا الجديدة وكايان، على التوالي)، على بعد آلاف من الكيلومترات من الجزائر لقبائل بأكملها بتهمة مقاومة فرنسا.
هناك كثير من أدلّة الإدانة لفرنسا، تتضمّنها أطنان من أرشيف الفترة الاستعمارية الأولى، بصفة خاصّة، ترفض فرنسا تسليمها.
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
14/07/2020
252