+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الوفاء هو ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء، وهو الصّبر على ما يبذله الإنسان من نفسه ويرهنه به لسانه. وللوفاء بالعهود قيمة إنسانيّة وأخلاقيّة عظمى لأنّه يرسي دعائم الثّقة في الأفراد ويؤكّد أواصر التّعاون في المجتمع، يقول الرّاغب الأصفهانيّ في ذلك: الوفاء أخو الصّدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، ذلك أنّ الوفاء صدق اللّسان والفعل معا، والغدر كذب بهما، لأنّ فيه مع الكذب نقضا للعهد.
والوفاء يختصّ بالإنسان، فمن فقد فيه (الوفاء) فقد انسلخ من الإنسانيّة، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان وصيّره قواما لأمور النّاس، فالنّاس مضطرون إلى التّعاون، ولا يتمّ تعاونهم إلّا بمراعاة العهد والوفاء به، ولولا ذلك لتنافرت القلوب وارتفع التّعايش. ولذلك عظّم الله تعالى أمره فقال: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّأيَ فَارْهَبُونِ)، وقيل في قوله تعالى: (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)، أي نزّه نفسك عن الغدر، وقد عظّم حال السّموأل فيما التزم به من الوفاء بدروع امرئ القيس، ممّا يدلّ على أنّ الوفاء قيمة عظيمة قدّرها عرب الجاهليّة. وقد أقرّهم الإسلام على ذلك، ولا يستطيع ذلك إلّا القليلون، ولقلّة وجود ذلك في النّاس قال تعالى: (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ)، وقد ضرب به المثل في العزّة فقالت العرب: «هو أعزّ من الوفاء».
للوفاء أنواع عديدة باعتبار الموفى به، فهي قد تكون وفاء بالعهد، وقد تكون وفاء بالعقد أو الميثاق، وقد تكون وفاء بالوعد. فالوفاء بالعهد: هو- كما ذكر الرّاغب- إتمامه وعدم نقض حفظه، ويتطابق من ثمّ صدق القول والعمل جميعا، وعن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- «العهود ما أحلّ الله وما حرّم وما فرض وما حدّ في القرآن كلّه».
أمّا الوفاء بالعقد: فالمراد به إمّا العهد، وبذلك يتطابق مع النّوع الأوّل، وقيل: العقود هي أوكد العهود، وقيل: هي عهود الإيمان والقرآن، وقيل: هي ما يتعاقده النّاس فيما بينهم.
أمّا الوفاء بالوعد: فالمراد به أن يصبر الإنسان على أداء ما يعد به الغير ويبذله من تلقاء نفسه، ويرهنه به لسانه حتّى وإن أضرّ به ذلك، قال الجاحظ: وكلّما أضرّ به الدّخول تحت ما حكم به على نفسه كان ذلك أبلغ في الوفاء.
فمن أوفى بعهد الله من توحيده وإخلاص العبادة له، أوفى الله بعهده من توفيقه إلى الطّاعات وأسباب العبادات، والّذين يوفون بعهد الله، هم أولو الألباب وهم الّذين باعوا أنفسهم وأموالهم لله فوعدهم أنّ لهم الجنّة ومن أوفى بعهده من الله؟
والوفاء صفة أساسيّة في بنية المجتمع الإسلاميّ، حيث تشمل سائر المعاملات، إذ كلّ المعاملات والعلاقات الاجتماعيّة والوعود والعهود تتوقّف على الوفاء، فإذا انعدم الوفاء انعدمت الثّقة، وساء التّعامل وساد التّنافر.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
13/07/2020
2018