+ A
A -
خولة مرتضوي إعلامية وباحثة أكاديمية- جامعة قطر
إنَّ وسائِل الإعلام الكلاسيكيَّة والجديدَة أصبحَت تلعَبُ أدوارًا كبيرة ومؤثرة على الجماهير في كُلِّ مكان سواءً في المجال السياسِي أو الاجتماعِي أو الاقتصادي، فيما أصبحَت هذه الوسائل تقوم بأدوار المُؤسسات التعليميَّة والتربويَّة الجديدَة وتقوم بدورِ التلقين والتوجيه والتوعية، واليوم يُعتبر قطاع الدعاية والإعلان من أكبر القطاعات ازدهارًا ونماءً في العصر الحديث خاصة من حاجة السوق العالميَّة إلى التكتيكات والاستراتيجيات المتنوعة التي من خلالها يتم استقطاب الرأي العام أو الجمهور المباشر المعني، وقد عمد الترويج الجديد إلى استخدام عددٍ من المسوقين المستقلين، من رجال ونساء الدعاية والإعلان ممن يُطلق عليهم بمشاهير الإعلام الجديد Social Media أو الفاشنيستيون الفاشنيستات، الذين أدوَّا، بدورهم، إلى إيجاد ظاهرة اجتماعيَّة جديدة لها تداعياتها الخطيرة على المجتمع الإنساني.
فللأسف الشديد، الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة اليوم تتعاون مع هؤلاء ليروجوا لمشاريعها ومنتجاتها وإنجازاتها وأخبارها الجديدة وذلك بسبب القاعدة الجماهيريَّة الكبيرة التي يحظى بها كُلٌ منهم، غير مراعين لمعايير النزاهة والأخلاقيات والرسالة الإعلامية والإعلانيَّة الرصينة التي يقدمونها في المجتمع. شخصيًا أنا لستُ ضد مبدأ الترويج والدعاية، ففي النهاية المؤسسات المدنيَّة في العصر الحديث تحتاجُ إلى من يقوم عنها بهذا الدور كي تصِل أفكارُها وبرامجها ومنتجاتها وخدماتها الجديدة إلى الجمهور المستهدف بشكلٍ عصري وسريع، لكن هذه الغاية عليها ان لا تسمح لهذه المؤسسات أن تُوكِل هذه المهمَّة لكُلِّ من هَبَّ ودَبَّ في هذا الفضاء الافتراضِي، فالكثير من الحمقى والمهرجين يتبعهُم السواد الأعظم من الجمهور فقط بسبب الفضول، وفي المقابل هُناك شريحة كبيرة من الجمهور يُتابع مشهورًا معينًا بسبب كمية الإعلانات المتفرقة التي يقدمها البعض والتي تتراوح بين ترويجٍ لمنتجات وأفكار إيجابية وأفكار أخرى شديدة السلبية والخطورة.
فقد ظهر في الآونة الأخيرة الكثير من المسوقين المستقلين الذي يروجون لمنتجات خطرة على الصحة كأدوية التخسيس ومستحضرات التجميل الغير آمنة وغيرها من المنتجات الاستهلاكيَّة والدوائية التي يُقبل عليها الجمهور بكل ثقة ظنًا منه أنَّ هذه المنتجات أو الخدمات حقيقية وآمنة وفي النهائية يكتشف كمية الغش والضحك على الذقون التي كان يقدمها هذا المشهور في سبيل ترويج الفكرة أو المنتج أو الخدمة التي يتقاضى مقابلها عشرات الآلاف، تصِل أحيانًا إلى مائة ألف وأكثر بحسب طبيعة ومكانة الجهة الطالبة للإعلان.
إنَّهُ في دراسة صدرت من marketing charts.com توضح فيها الوظائف الأكثر مصداقية وذات أخلاقية عالية، فجاء الممرضون والعاملون في القطاع الصحي في السلم الأعلى، في حين كان الأسوأ بائعو السيارات ومختصوها التسويق الهاتفي (الفاشنيستات) والعاملون في الاعلان وأعضاء المجالس البرلمانية، وهذه الدراسة تُعتبر واحدة من مئات الدراسات التي تقيمها مراكز الأبحاث حول العالم.
بفعل الكثير من النشطاء الاجتماعيين (السطحيين والماديين) سقطت الدعاية والإعلام سقوطًا مُدويًا في وحِل الأكاذيب بتجاوزه كل سُقُوف الأخلاق والأعراف والقيم الإسلامية والعربية والتقاليد الخليجية، بأسلوبِ الإسفاف والابتذال وترويج الاشاعات والاتهامات والتراشق المسيء وبيع الوهم والضلال على المتابعين، وكان غياب الجهات الرسمية التي تحقق وراء كل تجاوز يتم عبر هؤلاء سببًا وجيهًا في تمادي هؤلاء في هذه الصنعة الجديدة دون رقيبٍ أو حسيب ودون ضبطٍ وتوجيهٍ وتدريب، فهذا الفضاء الافتراضي الكبير يُزاحِم فيه مروجو الكذب مقدمي الحقيقة والفائدة والنصيحة، وتبقى الجماهير عمياء ما اختفت عن الظهور برامج وحملات التوعية الاجتماعية التي توضِّح مكامِن الخطر من متابعة كم الدعايات الكاذب الذي يتم فيها التحايُل على العقل والوجدان وتوجيه الرأي العام والذائقة العمومية إلى كُل ما هو تضليل وكذب وتسطيح للمجتمع.
copy short url   نسخ
11/07/2020
205