+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
من المبادئ الّتي قرّرها الإسلام قصر المسؤولية على المسؤول وحده. قال تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) وقال تعالى: (قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فلا يؤخذ بريء بجريرة مذنب، ولا يشترك أهله فيما اقترفت يداه، أو نسب إليه.
ولحماية الإمام المسلم من الانزلاق في الظّلم جاء قوله تعالى:(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)، وقوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ). والرّاعي والرّعيّة يدان تتعاونان على خير الأمّة، ورعاية مصالحها، وكفالة الأمن على حياة النّاس وأعراضهم وأموالهم. ولا يستقيم أمر الأمّة، ولا تتّسق شئونها إلّا إذا قام كلّ من الحاكم والمحكوم بمسؤوليّاته، وأخلص المعاونة لصاحبه. قال صلّى الله عليه وسلّم: «كلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيّته: الإمام راع ومسؤول عن رعيّته، والرّجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيّتها، والخادم راع في مال سيّده ومسؤول عن رعيّته، والرّجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيّته. وكلّكم راع ومسؤول عن رعيّته». ولكي تنجح الأمّة في مسيرتها، وتحقّق غايتها لا بدّ من أن ينهض كلّ بمسؤوليّاته.
فمسؤوليّة الرّاعي التّسوية بين الرّعيّة فأمر الله الحاكم بالعدالة حتّى يسوّي بين النّاس جميعا. قال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى). وقال تعالى: (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا). وقال تعالى: (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى). وقال صلّى الله عليه وسلّم لأهل بيته: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عبّاس بن عبد المطّلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفيّة عمّة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمّد، سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئا». هذا الينبوع الفيّاض الغزير سرت منه العدالة إلى الخلفاء والولاة.
ولرعاية مصالح النّاس على الحاكم رعاية المصالح الدّينيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والأمنيّة بإقامة المساجد للعبادة، وإنشاء المدارس للتّعليم، ونشر المستشفيات للعلاج، وغيرها.
كذلك حسن اختيار البطانة، وإعطاء القدوة الحسنة: حسن اختيار الأعوان من الأمناء المخلصين ذوي الدّراية والكفاية ممّا يحقّق الغايات والأهداف، ويزيل من دنيا النّاس الوساطة والمحسوبيّة والرّشوة. قال صلّى الله عليه وسلّم: «من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه».
أيضاً حدّد القرآن الجزاء بقدر المسؤولية مع إيثار جانب الرّحمة والعفو ومضاعفة الحسنة. قال تعالى: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) وقال تعالى: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ)
ويمثّل القرآن العدل الإلهي بالميزان. ذلك الميزان الّذي جعله أركان رسالة الأنبياء. قال تعالى:
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) وقال تعالى: (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ).
هذه معالم المسؤولية في الإسلام فالإنسان مسؤول عن كسبه من خير وشرّ ومجازى عنه، وباب التّوبة مفتوح له ما بقيت الحياة، والجزاء العادل يوم القيامة.
أما مسؤوليّة الفرد نحو المجتمع هي الالتزام بقانون الجماعة، وهذا يستلزم من الأفراد الالتزام بعقيدة المجتمع الأساسيّة، الّتي تعتبر أمانة اجتماعيّة. والتّعاون مع الجماعة في سبيل الخير العامّ:
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) من مساهمة الاقتصاد وغير ذلك.
وتقديم العمل الصّالح والتّنافس في هذا السّبيل: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) حيث يجب الإنفاق في سبيل الله، واستثمار الأموال، والاعتدال في الإنفاق وغير ذلك من الجوانب الأخلاقيّة.
وكذلك نشر العلم الّذي يسهم إسهاما إيجابيّا في بناء المجتمع وتطويره واستغلال الذّكاء في هذا السّبيل: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) ومن ذلك، الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
11/07/2020
760