+ A
A -
محمد أبوحجركتب
أكد د. محمد حسن المريخي أن لكل أمة قيما وآدابا تنهض وتعلو إذا اعتصمت بها، أما إذا تخلت عنها أو أرخت حبلها فقد هبطت وهزلت وضعفت كما أن لكل مجتمع مبادئه وأسسه التي يسمو بها إلى العلياء وكذلك لكل شخص أدبه وخلقه اللذين يتميز بهما واللذين لو تخلى عنهما هبط إلى القاع السفلي.
وأشار د. المريخي في خطبة الجمعة التي القاها أمس بجامع الامام محمد بن عبدالوهاب إلى ان هناء الدنيا وجمالها وكريم العواقب للدول والشعوب، يكون في ظلال قيمها وتحت وارف أخلاقها، وان فخر كل أمة وجماعة بعد صلاح دينها يكون بسمو قيمها، مضيفا ان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حصر بعثته في إتمام مكارم الأخلاق، حيث قال عليه الصلاة والسلام «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» وقال إنه اذا كانت الأديان الربانية روح الأمم فإن القيم هي أجسادها ولا جسد بلا روح وروح بلا جسد.
وأكد أن الأديان الربانية غيث السماء، والقيم هي نبت هذا الغيث مشيرا إلى ان القيم والمبادئ في الاسلام نبتة تحتضنها الفطرة وترويها الديانة، فاذا فسدت الفطرة، ونقص نبع الدين لدى الناس ذبلت نبتة القيم وتحول زهرها شوكا وصار غصنها حطبا.
ولفت إلى انه في عصور الجاهلية لم تستطع ظلمة الجهل في هذا المجتمع ان تطمس بقية نور في نفوس بعض أفراده فوجدنا من بينهم من لم يشرب الخمر أبدا، ومن لم يزن، ومن لم يكذب ومن لم يخلف الوعد ووجدنا من يغض طرفه عن جارته حتى يواريها مثواها، مضيفا ان هذا السلوكيات كانت شموعا خافتة تحتضر وتوشك ان تنطفئ في دجى الليل الجاهلي الدامس فشاء الله سبحانه وتعالى ان تشرق شمس الايمان والتوحيد بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فاضاءة هذه الشموع من نور الايمان والنبوة فأشرقت على أهلها نورا وضياء وكرامة وسمو وتدفقت قيم الاسلام ومبادئ الايمان من خلال آيات الوحي والنبوة.
وقال خطيب جامع الامام: القيم والمبادئ هي الخصائص والصفات النابعة من عقيدة الأمة والتي توجه السلوك وهي أساس للحفاظ على النظام والاستقرار في المجتمع وهي الوازع بين الحلال والحرام والخطأ والصواب مشيرا إلى انها كثيرة جدا وذكر منها: الإيمان والإسلام والأمانة، وتقدير النعم وحب الحلال، وبغض الحرام والنهي عن المنكر، والحياء والستر والغيرة، والفضيلة والحجاب والعفة، وغير ذلك من القيم النى جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مشيرا إلى ان هذه القيم أشرقت على اهلها نورا وحياء وكرامة وسمو.
ونوه بأن هذه القيم هي الميزان الذي يحمي المجتمع ويحفظ توازنه ويحول بينه وبين النزوات ونشر الشهوات، كما أنها تحفظ حرمة الدين والخلق والسمعة وتقي موارد السوء بإذن الله تعالى كما تقي اسفات السلوكيات والتصرفات وتدفع عن المجتمع الجرائم والتردي والأخلاق السيئة وتجعل المجتمع ذا قيمة وثمنا، وترفع درجته كما انها تحلي الفرد بجميل الأخلاق وطيب الفعال وتجعله ذا قيمة ووزن
وأضاف: لقد أمر الله تبارك وتعالى بالاعتصام بهذه القيم التي أمر بها في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال جل وعلا:
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ? لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَ?لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَ?كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، وقال سبحانه «وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين» وقال ايضا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
وأشار إلى ان المولى عز وجل حذر من التخلي عن هذه القيم أو المساومة عليها فقال سبحانه (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ)
وشدد د. المريخي على ان أعقل البشر وأشرفهم هم الأنبياء والرسل لافتا إلى انهم كانوا يوصون بالعناية بالقيم الربانية وهم اعلم بها كما علمهم الله سبحانه وتعالى، مضيفا بالقول: هذا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يوصينا فيقول (مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْر، وفرقوا بينهم في المضاجع)
وأشار إلى ان هذا سيدنا ابراهيم عليه السلام يقول لبنيه (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى? لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، وكذلك يعقوب عليه الصلاة والسلام (إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَ?هَكَ وَإِلَ?هَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَ?هًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ولقمان عليه السلام الذي أكد على ولده مجموعة من القيم التي بدأها باعظمها وهي توحيد الله عز وجل (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، ثم ببر الوالدين والتواضع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك الكبر والالتفات إلى عظيم قدرة الله عز وجل.
وأكد الخطيب على ان القيم هي عماد للمجتمعات وأركان للدول وأوتاد للأمم فإذا ضربت أو وهنت أو ارخي حبلها خَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، مضيفا انه ما رؤيت رزيلة تهدم القيم كرزيلة الطغيان.
ولفت إلى انه اذا استغنى الإنسان بماله أو جاهه أو سلطانه فقد تجاوز حده ونقص العدل وكريم الخلال عنده مؤكدا انه لن تجد محاربا للقيم الا ووسيلته وأداته هي بعض ما أغناه الله تعالى به من المال والجاه مضيفا ان القيم كما انها سبب في الحفظ والكرامة والاستقامة فإنه يجب حفظها وصيانتها وتأديب من يتعرض لها أو يتعداها.
وحذر من انه تهوين القيم في النفوس شر وبلاء، والتقليل من شأنها خذلان وإحلال غيرها مكانها خيانه لانها إرث ديني متاصل في جذور الاسلام وقد نهضت بها بعد الله تبارك وتعالى القرون الأولى وقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه عليها فارتقوا في سلم الأخلاق وأشرفوا على الدنيا حتى نالت اياديهم النجم وجلسوا على ناصية الشمس.
وقال د. المريخي: ولأن درج بعض المخذولين على التهوين من القيم باعتبارها من الرجعية كما يتبجهون بذلك وينادون لكي يحل محلها قيم العالم الجديد فإن هذه دعوة ترفع عنها كفار قريش ومشركو العرب.
وشدد على ان الحضارات انما تنهض بنهضة الأخلاق وتنهار بانهيارها مشيرا إلى انه كم من الامم بدت قوية فأرخت حبل الاخلاق والتهاون بالقيم بين افرادها فدب فيها الضعف لافتا إلى قول الشاعر«َإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا».
وأكد ان صلاح أمر الأمم مرجعه إلى الاخلاق المبنية على القيم وانه لا تحيا امة بلا قيم مستشهدا بقول الشاعر: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.
وقال إن القيم اذا كانت مستحبة عند سائر الامم فإنها عندنا اهل الاسلام واجبة واساسية تتواصى بها الامة جيلا بعد جيل وهي مطلقة ولا مساومة عليها، ولا تنازل عنها تحت أي ظرف فإن الظروف يتم تطويعها للقيم والمبادئ والشعوب تموت من أجل قيمها وعقيدتها وتكافح من أجل مبادئها وتنافح لتبقى وتتحمل في سبيل ذلك كل ألم مشددا على ضرورة المحافظة على القيم وتفعيلها لكي تقوم بدورها في حماية المجتمع وحراسته مشيرا إلى ان الغيور على دينه وأمته ليتقطع قلبه حين يرى القيم تتحطم أو يرخى حبلها أو يدنس ثوبها ويخدش حياؤها.
وتقام صلاة الجمعة بجامع الإمام كما هو مقرر شرعاً بـ 40 رجلاً على الأقل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقد تم اختيار هؤلاء الأربعين من قِبل وزارة الأوقاف من أئمة ومؤذني الجامع وبعض موظفي الوزارة.
وقد اتخذت وزارة الأوقاف كافة الإجراءات الاحترازية والوقائية من فيروس كورونا لمن يحضر خطبة الجمعة، حيث تم فحص المصلّين الذين تم اختيارهم للتأكد من سلامتهم، وتخصيص سجادة صلاة لكل شخص، مع مراعاة ترك مسافة كافية فيما بين المصلين، تطبيقاً لمبدأ التباعد الاجتماعي.
copy short url   نسخ
11/07/2020
4928