+ A
A -
أكد سعادة السيد عبد الرحمن بن حمد العطية، وزير الدولة الأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن القمة التي عقدها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى والرئيس التركي رجب طيب أردوغان شكلت دفعة قوية لعلاقة استراتيجية بين البلدين، مشيرا إلى أن اختيار الرئيس أردوغان دولة قطر لتكون أول بلد يزوره بعد إغلاق دولي للأجواء وحياة الناس في العالم بسبب أزمة «كورونا» يحمل دلالات كثيرة تجدد التأكيد على متانة العلاقة بين البلدين. وقال سعادة السيد عبد الرحمن بن حمد العطية، في حوار شامل مع الوطن، إن دولة قطر دأبت على تجديد التأكيد على موقفها المبدئي، فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، إذ ترى منذ عام 2017 - وهو عام الحصار- أن الحوار هو السبيل لحل الأزمة، وأن الدوحة «منفتحة» على الحوار، وتشترط فقط أن تكون هناك «خطوات جادة وصادقة» في هذا الشأن من دول الحصار، خصوصا بعدما ردت قطر على التحرك الكويتي الجديد، أي أن الكرة في ملعب دول الحصار.
وأشار سعادته إلى أنه رغم سوداوية السياسات التي فرضتها ثلاث دول خليجية ومصر على المواطن الخليجي، فإن أية أزمة مهما تطاولت وتعقدت فهي قابلة للحل إذا كانت هناك إرادة سياسية في دول الحصار تعترف أولا بما اقترفوه من خطايا في حق شعوب المنطقة، تمهيدا للطريق أمام مساعي أصحاب النيات الطيبة والأهداف النبيلة، وفي صدارتهم حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وهو رجل مشهود له بالحكمة والرصانة وبعد النظر، ويحظى باحترام خليجي.
وأضاف أن شعوب الخليج تواقة إلى مناخ التفاهم والتعاون بين دول المجلس، وتجاوز مرحلة الفتنة والشقاق والتناحر، ليعود مجلس التعاون كما كان مضرب مثل في العمل الجماعي والإرادة المشتركة، رغم أن إنجازات المجلس منذ إنشائه وحتى الآن لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشعوب.
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
} نبدأ من أهم حدث شهدته الدوحة قبل أيام وتمثل في انعقاد قمة قطرية- تركية، فكيف ترى دلالاتها؟
القمة التي عقدها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى والرئيس التركي رجب طيب أردوغان شكلت دفعة قوية لعلاقة استراتيجية بين البلدين.
اختيار الرئيس أردوغان دولة قطر لتكون أول بلد يزوره بعد إغلاق دولي للأجواء وحياة الناس في العالم بسبب أزمة «كورونا» يحمل دلالات كثيرة تجدد التأكيد على متانة العلاقة بين البلدين.
أتوقع أن تتنامى باستمرار معدلات التعاون والتنسيق بين القيادتين، سواء لتعزيز التعاون في المجالات كافة، أو في إطار بحث قضايا المنطقة واتخاذ مواقف تدعم أوضاع الاستقرار والأمن والطمأنينة التي يتطلع اليها عدد من شعوب المنطقة.
الوضع في الخليج
} ننتقل إلى الوضع في الخليج، ويبدو من خلال أحدث تفاعلات الوضع الراهن أن دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر تواصل الحصار الذي فرضته على دولة قطر ودخل عامه الرابع، هل من جديد في الأفق، وهل ترى أن معدلات الشقاق في البيت الخليجي تتجه نحو الارتفاع أم الانحسار؟
- التطورات في ملف الحصار ترتبط بحراك كويتي، يتجسد في مبادرة كويتية تبلورت منذ أيام الحصار الأولى، وتهدف لحل الأزمة في الخليج.
دولة قطر أبدت وتبدي دوما موقفا إيجابيا تجاه أية خطوة كويتية، وأحدث دليل على ذلك جاء في تأكيدات أطلقها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بالتزامن مع دخول الحصار عامه الرابع، حيث قال إن (الأجواء إيجابية ونأمل أن تسفر عن خطوات)، وحتى اليوم لم تظهر أية خطوة إيجابية من دول الحصار.
دولة قطر دأبت على تجديد التأكيد على موقفها المبدئي، إذ ترى منذ عام 2017 - وهو عام الحصار- أن الحوار هو السبيل لحل الأزمة، وأن الدوحة «منفتحة» على الحوار، وتشترط فقط أن تكون هناك «خطوات جادة وصادقة» في هذا الشأن من دول الحصار، خصوصا بعدما ردت قطر على التحرك الكويتي الجديد، أي أن الكرة في ملعب دول الحصار.
في ضوء هذا كله يمكنني القول إنني لم ألحظ حتى الآن وجود خطوات عملية من تلك الدول كي تثبت أن هناك يقظة ووعيا بمخاطر جريمة الحصار في أوساط مرتكبي سابقة الحصار الجائر، الذي لم يكن ضد القطريين قيادة وشعبا فحسب، بل نال من الشعوب الخليجية من دون استثناء، وأضر بالمقيمين في المنطقة.
ورغم سوداوية السياسات التي فرضتها ثلاث دول خليجية ومصر على المواطن الخليجي، فإن أية أزمة مهما تطاولت وتعقدت فهي قابلة للحل إذا كانت هناك إرادة سياسية في دول الحصار تعترف أولا بما اقترفوه من خطايا في حق شعوب المنطقة، تمهيدا للطريق أمام مساعي أصحاب النيات الطيبة والأهداف النبيلة، وفي صدارتهم حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وهو رجل مشهود له بالحكمة والرصانة وبعد النظر، ويحظى باحترام خليجي.
ولوحظ أن واشنطن تتحرك من وقت لآخر، لتحريك هذا الملف تحت ضغوط تفاعلات إقليمية وانتخابية في محاولة لإلقاء حجر في بركة راكدة في دول الحصار، كما أشير في هذا الصدد إلى أن العالم يشهد حاليا تطورات ضاغطة بسبب «كورونا»، وأن دول الحصار تعاني كما تعاني كل دول العالم من مضاعفات هذا الوباء وتخشى في الوقت نفسه من أن تأتي الانتخابات الأميركية المقبلة بنتائج تقلب موازين الأحداث في العالم.
ضربة للبيت الخليجي
} من موقعك كأمين عام سابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية كيف تنظر إلى حال البيت الخليجي حاليا؟
- البيت الخليجي تلقى في الخامس من يونيو 2017 ضربة تآمرية ضربت علاقات الدول وشتّتت شمل الأسر الخليجية، وقد تزامن الحصار الظالم مع عملية غدر غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الخليجية- الخليجية، حيث تمت قرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية وفبركة وتلفيق تصريحات مضللة وكاذبة باسم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، لتغطية التآمر والغدر.
لكن فشل مرتكبو جريمة القرصنة والحصارالذي انتهك حقوق مواطني دول الخليج وملايين المقيمين في المنطقة في تغطية ضوء الشمس بغربال المزاعم والاتهامات الباطلة، وبينها دعم مزاعم الإرهاب، حيث اتسعت شبكة علاقات دولة قطر والدول الكبرى أكثر من أي وقت مضى، وهي دول تضع محاربة الإرهاب في صدارة أولوياتها.
في مناخ الحصار جرت الإطاحة بمكاسب كبرى كالسوق الخليجية المشتركة، حيث أقرت القمة الخليجية الثامنة والعشرون التي عقدت في الدوحة في ديسمبر 2007 «إعلان الدوحة لقيام السوق الخليجية المشتركة»، كما نسفت دول الحصار إنجاز التنقل بالبطاقة الشخصية، ومكتسبات المواطنة الخليجية.
هذان المثالان من بين أمثلة عدة يؤكدان أن البيت الخليجي تعرض لعملية تخريب من داخله، إذ لم يعد مجلس التعاون مظلة يستظل بظلالها المواطنون في الدول الست، أي أن البيت الخليجي اهتزت ركائزه إن لم تكن قد أسقطت بقرار الحصار المتهور والغادر، الذي لا يعبر عن نبض الشعوب، ويعكس في الوقت نفسه حالة البؤس السياسي التي تسيطر على صناعة القرار في دول الحصار.
} دول الحصار ترى أنها ستواصل حصارها لتحقيق المزيد من الضغوط، وأن حصارها أسفر عن نتائج لصالحها؟
- أهداف الحصار كلها انهارت على أرض الواقع، ولم تتحقق سوى نتائج «صفرية».
الادعاء بأن الحصار حقق أهدافه أراه مجرد تشدق بالكلام وتمسك بأهداب الحصار وتعلق بأحلام وأوهام أسقطتها صلابة القيادة القطرية وتمسكها باستقلالية القرار الوطني في ظل تلاحم شعبي لافت بين القيادة والشعب، وهو تلاحم لا مثيل له في تاريخ الأزمات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية.
ما تشهده قطر حاليا يروي قصة ملحمة صمود سجلها ويسجلها التاريخ بحروف من نور، وهذا معناه أن «ثلاثي الحصار» جنى ويجني ما كسبت أياديهم من سراب أهداف لم ولن تتحقق، وهذا يدحض مزاعمهم بشأن تحقيق أهدافهم الشريرة.
دولة قطر اليوم أقوى من أي وقت مضى، والأدلة كثيرة، سواء فيما يتعلق بالنجاح الاقتصادي في مجال الأمن الغذائي كما تقول تقارير دولية وضعتها في صدارة الدول العربية، وفي مواقع متقدمة عالميا أو في مجال خريطة العلاقات الدولية التي تتسع بمعدلات متسارعة.
} قلت إن دول الحصار فشلت في تحقيق أهدافها، لكنها تقول إنها نجحت بالحصار في تحقيق أهدافها؟
- يسهل ترديد الادعاءات والتخرصات، لكن العبرة والدروس المريرة التي جنوها تكمن في النتائج الصفرية كما قلت، وفي مقدور أي مراقب أمين أن يلمس ويرى أن دولة قطر، قيادة وشعبا، صمدت صمودا تاريخيا أمام تحديات الحصار، وقد تجلى أكثر من أي وقت مضى التلاحم بين القيادة والشعب.
الحصار الجائر أظهر للعالم كله مستوى الوعي والنضح السياسي الذي يتمتع به سمو الأمير، وخلال السنوات الثلاث الماضية للحصار تميزت خطاباته وتصريحاته بالرصانة والعقلانية والبعد عن الصغائر، كما أبرز الحصار معدن الشعب القطري وتفاعله مع القيادة.
هذا كله يعني أن دول الحصار خسرت خسائر سياسية واقتصادية واجتماعية، كما خسرت دعم شعوب المنطقة والمقيمين واحترام دول العالم.
وهاهي أزمة جائحة «كورونا» ما تزال آثارها تجتاح العالم - ونسأل الله أن يحفظ الجميع من هذا الوباء- لكن الفيروس كشف مرارة حصار الوباء الذي شمل خريطة العالم وشمل ذلك دول الحصار، أي أن جائحة «كورونا» كشفت وتكشف سوء «كورونا السياسية» التي شتّتت شمل الأسر الخليجية، وتمثلت في سياسات دول الحصار.
باب المراجعة مفتوح
} في هذا السياق، هل ثمة مؤشرات تشير إلى أن دول الحصار بصدد مراجعة سياساتها تجاه دولة قطر؟
- باب المراجعة للمواقف مفتوح أمامها، فدول الحصار تبدو أشبه بأشخاص تسلقوا شجرة حتى وصلوا إلى قمتها، فوجدوها مليئة بالأشواك وتعاني من حالة تأرجح شديد، وأرادوا النزول لكنهم لا يعرفون كيف يتم النزول بعدما وضعوا أنفسهم وسط الأشواك والرياح العاتية.
- هم الآن في حالة حصار لأنفسهم ولشعوبهم.
} نعود لمجلس التعاون، هل أنت راض عما تحقق خلال فترة توليك منصب الأمين العام لمجلس التعاون؟
- بحمد الله وبإجماع القادة وشعوب المنطقة وقادة الرأي في المنطقة شهدت تلك الفترة ( من 2002 أبريل إلى مارس 2011 ) إنجازات عدة وانسجاما رغم بروز خلافات بين دول خليجية من وقت لآخر، أنا فخور - والشكر والحمد لله - بتحولات مهمة كنت مساهما في بلورتها، وعموما لا أرغب في الحديث عن الذات فالتقويم متروك للشارع الخليجي وللتاريخ.
} الآن يوجد أمين عام جديد لمجلس التعاون، ما توقعاتك بشأن أدواره، خصوصا ما يتعلق بالحصار؟
- أمام الأخ الدكتور نايف الحجرف الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية تحديات عدة وملفات ساخنة، سواء تعلق الأمر بكيفيات تفعيل دور المجلس أو التعامل مع ملف الحصار المفروض على دولة قطر العضو المؤسس والفاعل والحيوي في مجلس التعاون، والحريصة على تطوير المجلس وإصلاحه ليكون في مستوى التطلعات الشعبية، وهذا الموقف القطري الذي يدعو إلى الإصلاح قديم ومتجدد.
المأمول أن تشهد فترة الأمين العام الجديد بداية مرحلة جديدة تنتقل بالمجلس من حال الجمود واللافاعلية في التعامل مع القضايا الكبرى إلى آفاق العمل الخليجي الجماعي الذي ينطلق من قاعدة المراجعة لسلبيات المراحل السابقة والبناء على إيجابياتها، ليخرج المجلس من كبوته الحالية، وليضع حدا لواقع اللافاعلية الراهن الذي اختطفت فيه ثلاث دول خليجية (السعودية، والإمارات والبحرين) أدوار المجلس وهمشته، كما همشت دور الأمين العام، ما أدى إلى الإضرار بمصالح شعوب الخليج والمجلس ككيان يرمز إلى وحدة الأهداف والمصير.
شعوب الخليج تواقة إلى مناخ التفاهم والتعاون بين دول المجلس، وتجاوز مرحلة الفتنة والشقاق والتناحر، ليعود مجلس التعاون كما كان مضرب مثل في العمل الجماعي والإرادة المشتركة، رغم أن إنجازات المجلس منذ إنشائه وحتى الآن لا ترقى إلى مستوى تطلعات الشعوب.
أدعو للأمين العام الجديد بالتوفيق في مهماته الضخمة، وكان الله في عونه.
تفعيل مجلس التعاون
} هل لديك اقتراح محدد لتفعيل مجلس التعاون الخليجي؟
- أدعو إلى تشكيل لجنة خليجية يشارك في عضويتها اختصاصيون قانونيون وسياسيون وغيرهم من ذوي الخبرة والفكر لدرس تجربة المجلس وتقويم المسيرة منذ إنشاء المجلس في 25 مايو 1981 إلى اليوم.
وبالتالي لو منحت اللجنة المقترحة صلاحيات واسعة من الدول ستنقل برؤاها العمل الخليجي من دائرة التنظير الأجوف والاكتفاء بترديد الشعارات والأغنيات إلى آفاق الفعل الإيجابي المواكب لروح العصر وتحدياته ولآمال الشعوب.
قيادة كويتية حكيمة
} كيف ترى الوساطة الكويتية الهادفة إلى رأب الصدع بين دولة قطر ودول الحصار؟
- دولة الكويت تقودها قيادة حكيمة ورصينة تحظى باحترام الخليجيين وشعوب ودول العالم المحبة للسلام والاستقرار، ويسعدني أن أحيي حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير دولة الكويت الشقيقة وأنوه بمساعيه الأمينة والمخلصة الهادفة إلى إخراج البيت الخليجي من حال الضياع إلى آفاق العمل المشترك الذي يلبي تطلعات الشعوب.
سمو الشيخ صباح قائد عريق وخبير بشؤون المنطقة والعالم، ومساعيه مستمرة، وتحظى باحترام ودعم دولة قطر لأنها تثق في عقلانيته وحكمته.
وثوابت الموقف القطري معلومة، إذ أعلنت دولة قطر منذ بدء الحصار أنها مع الحوار سبيلا ومنهجا لحل أية مشكلات، وينطلق الموقف من ركيزتين لرأب الصدع، وهما الاحترام المتبادل بين الدول، وفي إطار الشرعية الدولية.
في هذا الإطار أثمن الدور الإيجابي لسلطنة عمان بقيادة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق الذي يركز على دعم الاستقرار والأمن في المنطقة والارتقاء بأدوار مجلس التعاون وتعزيز العمل الخليجي المشترك، انطلاقا من مرتكزات سياسية ودبلوماسية عمانية تتميز بالحكمة والرصانة.
محاصرة قطر فاشلة
} دولة قطر متهمة من دول الحصار بأنها تغرد خارج السرب الخليجي؟
- محاولات كسر الإرادة الوطنية المستقلة وبالتالي محاصرة السياسة الخارجية المستقلة شكلت أهم أسباب الحصار والضغوط التي تعرضت لها دولة قطر خلال سنوات عدة.
تلك المحاولات كان وما زال الفشل هو عنوانها الأبرز، وبالمقابل نجحت الدوحة في بناء خريطة علاقات إقليمية ودولية وفقا لرؤيتها وفلسفتها السياسية التي تحقق المصالح المشتركة مع دول العالم.
اللافت أن خريطة الأواصر بين الدوحة ودول العالم اتسعت بعد الحصار، وانضمت قوى دولية ومنظمات حقوقية لتندد بالحصار باعتباره انتهاكا لحقوق الإنسان.
في ضوء كل هذا يمكن لأي إنسان أن يتساءل: من يغرد خارج السرب الإقليمي والدولي؟
} هل ترى أن معالجة المرض في الجسم الخليجي تحتاج لمعالجات اقتصادية، أم إدارية أم تكمن في أهمية الفصل بين السلطات؟
- كل دولة مسؤولة عن كيفية إدارة شؤونها، وشعوبها هي المسؤولة عن تقويم سياساتها، واذا تعدت على أية دول فبالتأكيد ستجد رفضا ومقاومة ومواقف صلبة، كما حدث في تعامل دولة قطر مع دول الحصار.
في هذا السياق أرى أن الحصار كشف أن دور المواطن الخليجي مهمش، إذ لم تتح له فرصة التعبير عن رأيه في الحصار مثلا، هذا يعني ضرورة تفعيل دور مجالس الشورى والبرلمانات لتعبر عن نبض الشعوب ومصالحها، أي أن غياب المساءلة والشفافية يؤدي إلى تفجير أزمات كبرى.
دور الجامعة العربية
} يلاحظ غياب دور الجامعة العربية بشأن المساهمة في حل الأزمة في الخليج، فهل الجامعة تمارس سياسة إرضاء حكومة المقر وحلفائها الخليجيين في دول الحصار؟
- الجامعة العربية تحتاج إلى إصلاح شامل، فهي تلعب دور جامعة الحكومات منذ سنوات عدة ولا تعير اهتماما لنبض الشعوب.
لا أحد يتوقع دورا إيجابيا من الجامعة العربية، لأنها غارقة في وحل الروتين ومشكلات الرتابة وأسيرة لسياسات دولة المقر وحلفائها في دول الحصار.
القضية الفلسطينية ستبقى عادلة
} ننتقل إلى القضية الفلسطينية ونرى أن الاهتمام العربي بالقضية تراجع؟
- قضية الشعب الفسطيني الصابر المكافح ستبقى قضية عادلة، وهي قضية العرب التي يتضامن وسيتضامن معها أنصار الحق والعدالة في العالم بالأمس واليوم وغدا.
صحيح أن المواقف الحكومية العربية تجاه قضية فلسطين تتباين وتعاني من هشاشة بينة، لكن هناك دولا وبينها دولة قطر تدعم القضية وما يتوافق عليه الفلسطينيون.
وأشير هنا إلى أن سعي إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية يقابل برفض فلسطيني وعربي وأيضا من دول كبرى في العالم، وأعتقد بأن على الدول العربية والإسلامية أن تمارس ضغوطا على واشنطن لوقف هذا المخطط الإجرامي.
ثورة الشعب السوري
} والأوضاع في سوريا؟
- الشعب السوري الشقيق ثار على نظام مستبد، وما زال يدفع ثمن نضاله وثمن مؤامرات إقليمية ودولية، لكنه سينتصر حتما في نهاية المطاف.
ونلاحظ من وقت لآخر هبات شعبية سلمية في سوريا، ما يعني أن الشعب الذي يقبض على الجمر يواصل مسيرة الرفض لنظام ظالم، والمؤكد أن الشعب السوري سينتصر في نهاية الأمر.
} والتطورات الساخنة في ليبيا؟
- الشعب الليبي فجر أيضا ثورة شعبية، ولكن سرعان ما تكالبت عليه قوى محلية وإقليمية ودولية لضرب استقراره، والآن تحولت ليبيا إلى ساحة حرب إقليمية ودولية، وهناك صراع بين من يسعون إلى الاستقرار ومن يسعون إلى إشعال الأوضاع.
الكلمة النهائية الحاسمة ستكون للشعب الليبي.
نلاحظ في هذا السياق أن الإمارات غارقة على سبيل المثال في الحرب في ليبيا، وفي حرب اليمن، حيث احتلت سقطرى في جنوب اليمن، ويبدو أنها اختارت نهج التورط في حروب متعددة الأشكال والميادين، ما جلب عليها غضبا واستياء غير مسبوق في دول عدة.
} تطورات السودان، كيف تراها؟
- الشعب السوداني حقق ثورة شعبية سلمية باهرة، وهناك جهود لتحقيق السلام والاستقرار، ومعالجة الأزمة الاقتصادية، والانفتاح على العالم.
} كيف ترى العالم في مرحلة ما بعد «كورونا» ؟
- العالم بعد وباء «كورونا» سيكون عالما جديدا مليئا بالتحديات السياسية والاقتصادية والإنسانية والصحية.. إلخ.
تحديات وأزمات الفيروس القاتل هي عابرة للقارات، وأطاحت مسلمات وقناعات كثيرة حتى في دول متقدمة علميا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
أي أن الرسالة الأهم في هذا السياق أن مصالح الشعوب متداخلة ومترابطة، وما يحدث في بكين مثلا سيكون له وقع مؤثر في واشنطن سياسيا واقتصاديا وشعبيا أيضا.
العالم يحتاج لمواجهة تداعيات «كورونا» إلى عقليات سياسية جديدة، تشيع قيم التعاون والتفاهم والاحترام المتبادل بين الدول والشعوب، أي أن العالم محتاج لتوديع سياسات الغطرسة والاستبداد وقهر الناس.
أعتقد بأن «كورونا» ستحدث تغييرات في الخريطة الاقتصادية والسياسية في العالم، وربما تطيح الجائحة «رؤساء» في العالم، وأعتقد بأن المجتمع الدولي سيشهد بروز أجيال جديدة بعقليات جديدة تؤمن بـ «المواطنة العالمية» قولا وفعلا وترفض الظلم والعنصرية والاعتداء على قيم المواطنة وحقوق الإنسان، من الجيل الجديد المستنير سيخرج قادة المستقبل في مناخ ما بعد «كورونا».
} أشرت إلى مرحلة ما بعد «كورونا»، كيف تنظر إلى مشاركة سمو الأمير وكلمته في القمة العالمية للقاحات 2020 التي عقدت في العاصمة البريطانية لندن عبر تقنية الاتصال المرئي في الرابع من يونيو الماضي ؟
- مشاركة سمو الأمير حفظه الله - وهو يعبر عن قيادة شابة مستنيرة - جاءت لتجدد التأكيد على حيوية دور قطر على الخريطة الدولية، في هذا التوقيت المهم الذي يشهد جهودا عالمية في سبيل التوصل للقاح لعلاج الفيروس القاتل والعابر للقارات.
كلمة سمو الأمير اتسمت باقتران القول بالعمل، إذ أعلن سموه تعهدا جديدا بتقديم 20 مليون دولار دعما للتحالف العالمي للقاحات والتحصين.
وشكل تأكيد سموه بشأن تقديم دولة قطر مساعدات إلى أكثر من 20 دولة في العالم تتمثل في معدات طبية وبناء مستشفيات ميدانية، بالإضافة إلى تقديم مساهمة مالية تبلغ 140 مليون دولار لمؤسسات الرعاية الصحية متعددة الأطراف التي تعمل في تطوير اللقاحات، ليشير أيضا إلى أن قطر تقوم بدور إنساني كبير في توقيت دقيق وحساس.
وتميزت كلمة سموه أيضا بدعوته دول العالم إلى العمل المشترك لضمان العدالة في توفير الأدوية والمعدات الطبية اللازمة للدول كافة، كما جاء إعلان سموه بشأن دعم دولة قطر لمنظمة الصحية العالمية في تنسيق الجهود الرامية لمكافحة جائحة كورونا وتعزيز الجاهزية العالمية لمواجهة الأمراض المعدية مستقبلا ليؤشر إلى حيوية هذا الدعم القطري لمنظمة الصحية العالمية التي تواجه تحديات وضغوطا كبيرة، ما يؤكد أيضا أن القرار القطري ينبع من أرضية تتمسك باستقلالية القرار الوطني.
أعتقد بأن مشاركة سمو الأمير في قمة لندن ترسخ وتعزز أدوار قطر عالميا في زمن «كورونا» وفي فترة ما بعد الوباء، وكل هذا يعني أن القيادة القطرية تمتلك قوة الإرادة وبعد النظر والقدرة على التحرك في وقت الشدائد والأزمات العالمية.
} دول الحصار ما زالت تكرر أسطوانة تتحدث عن دعم دولة قطر للإرهاب، كيف ترى هذه المسألة؟
- أبلغ رد وأقوى ضربة تلقتها دول الحصار تمثلت في مذكرة تفاهم وقعها مجلس الشورى القطري مع الأمم المتحدة نصت على تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب وتوفير إطار للتعاون لتعزيز دور البرلمانات في التصدي للإرهاب والظروف ذات الصلة بهذه الظاهرة، وتيسير التعاون بين الجانبين في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وجاء توقيع هذه المذكرة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، حيث اتفق الجانبان على الدخول مباشرة في ترتيبات لإنشاء مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في الدوحة، وسيغطي نشاطه برلمانات العالم، وأشير في هذا الإطار إلى أن سمو الأمير أعلن في الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019 أن دولة قطر ستواصل مشاركتها الفاعلة في الجهود الدولية لمكافحة التطرف العنيف، وتحدث عن اتفاقية الشراكة بين دولة قطر والأمم المتحدة في هذا الشأن وأنها -الدوحة- تقدم بموجبها خمسة وسبعين مليون دولار لتعزيز قدرة مكتب مكافحة الإرهاب، إضافة إلى فتح المركز الدولي لتطبيق الرؤى السلوكية للوقاية من التطرف العنيف ومكافحته، كما أشار إلى اتفاقية الشراكة بين مؤسسة «صلتك بدولة قطر» وفرقة العمل المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب بهدف بناء القدرات وإطلاق مشاريع في المنطقة العربية تهدف إلى الوقاية منه.
إن موقف دولة قطر العملي بشأن مكافحة الإرهاب يحظى باحترام دولي، والأهم في هذا السياق أن رؤية دولة قطر تنظر إلى ظاهرة الإرهاب المقيتة من رؤية ترى كما قال سمو الأمير أن «القضاء على الإرهاب يتطلب اعتماد نهج شمولي، يتضمن معالجة جذوره السياسية والاقتـــــــصادية والاجتماعية جنبا إلى جنب مع العمل الأمني والعسكري».
كما شدد في هذا الإطار على «ضرورة التمييز بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال».
copy short url   نسخ
07/07/2020
1244