+ A
A -
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الفضل: كلّ عطيّة لا تلزم من يعطي، وهو ابتداء إحسان بلا علّة؛ قال ابن الجوزيّ: الأصل في الفضل: الزّيادة، ويستعار في مواضع تدلّ عليها القرينة، وقد ذكر أهل التّفسير أنّ الفضل في القرآن الكريم على سبعة عشر وجه: الأوّل: الإنعام بالإسلام كما في قوله تعالى:(قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ)، والثّاني: الإنعام بالنّبوّة، ومنه قوله عزّ وجلّ (وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)، والثّالث: الرّزق في الدّنيا، ومنه قوله سبحانه: (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ). والرّابع: الرّزق في الجنّة، ومنه قول الله عزّ وجلّ (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ). والخامس: الجنّة ومنه قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً). والسّادس: المنّة والنّعمة، ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ (ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ). والسّابع: الخلف (ممّا ينفق في سبيل الله) ومن ذلك قول الله تعالى (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا). والثّامن: التّجاوز (بالعفو عن السّيّئات) ومنه قوله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ). والتّاسع: المعجزة والكرامة، كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا). والعاشر: تأخير العذاب، وذلك كما في قوله تعالى (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ). والحادي عشر: الظّفر والغنيمة، وذلك كما في قوله تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ). والثّاني عشر: قبول التّوبة والإنابة، وذلك كما في قوله تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ). والثّالث عشر: زيادة الثّواب والكرامة، ومنه قول الله تعالى: (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ). والرّابع عشر: المعروف والإحسان كما في قوله تعالى (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى). والخامس عشر: الشّفاعة في الآخرة، ومن ذلك قوله سبحانه: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ). والسّادس عشر: الخير والنّعمة، كما في قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ). والسّابع عشر: التّميّز في الخلق أو الرّزق، وذلك كما في قوله سبحانه: (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ).
أما الإنسان الفاضل: هو- في رأي الماورديّ- من غلبت فضائله رذائله فقدر بوفور الفضائل على قهر الرّذائل فسلم من شين النّقص، وسعد بفضيلة التّخصيص، ولا يكون ذلك إلّا بمجاهدة النّفس، وهذه المجاهدة هي الّتي أطلق عليها الشّيخ دراز مصطلح «جهد المدافعة» ويراد بها: تلك العمليّة الّتي نضع فيها في مواجهة الميول الخبيثة الّتي تحثّنا على الشّرّ قوّة مقاومة قادرة على دفع تأثيرها. أمّا ابن مسكويه فإنّه يعرّف الإنسان الفاضل بأنّه: الإنسان الخيّر صاحب الإحسان الذّاتيّ الّذي يبقى ولا ينقطع ويتزايد على الأيّام ولا ينتقص، ومن كانت هذه سيرته فإنّه يسرّ نفسه، ويسرّ به غيره، ويختار كلّ إنسان مواصلته ومصادقته، فهو صديق نفسه، والنّاس أصدقاؤه، وليس يضادّه إلّا الشّرّير، ومن النّاس من يصطنع المعروف لأجل الخير نفسه، ومنهم من يصطنعه لأجل الذّكر الجميل، ومنهم من يصطنعه رياء فقط، وأعلى هؤلاء مرتبة من صنع الخير لذاته، وصاحب هذه الرّتبة لا يعرف الذّكر الجميل والثّناء الباقي.
ومن سار بهذه السّيرة واختارها لنفسه فقد أحسن إليها وأنزلها في الشّرف الأعلى وأهّلها لقبول الفيض الإلهيّ، وإذا كان بهذه الحال فهو لا محالة يفعل سائر الخيرات، وينفع غيره ببذل الأموال والسّماحة بجميع ما يتشاح النّاس عليه.
فالفضل الأكبر هو لله عزّ وجلّ، ومن تحلّى بذلك فإنّه يؤهّل نفسه لقبول الفيض الإلهيّ، والمدد الرّبّانيّ.
د. فاطمة سعد النعيمي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر

[email protected]
copy short url   نسخ
05/07/2020
452