+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الرّضا طيب نفسيّ للإنسان بما يصيبه أو يفوته مع عدم التّغيّر، وقول الفقهاء يشهد على رضاها أي إذنها جعلوا الإذن رضا لدلالته عليه، والرّضا خلاف السّخط، وفي حديث الدّعاء: اللهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك. وقوله عزّ وجلّ: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) معناه أنّ الله تعالى رضي عنهم أفعالهم ورضوا عنه ما جازاهم به. ورضا العبد عن الله ألا يكره ما يجري به قضاؤه، ورضا الله عن العبد هو أن يراه مؤتمرا بأمره ومنتهيا عن نهيه. وأرضاه: أعطاه ما يرضى به.
والرّضوان: الرّضا، والمرضاة مثله، وقيل في عيشة راضية أي مرضيّة أي ذات رضى. والرّضوان: الرّضا الكثير، ولمّا كان أعظم الرّضا رضا الله- سبحانه- خصّ لفظ الرّضوان في القرآن بما كان من الله- عزّ وجلّ- قال تعالى: ( سبحانه يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً)، وقال تعالى: (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ).
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: من لزم ما يرضي الله من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيّما إذا قام بواجبها ومستحبّها فإنّ الله يرضى عنه، كما أنّ من لزم محبوبات الحقّ أحبّه الله. كما قال في الحديث الصّحيح الّذي في البخاريّ: «من عادى لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرّب إلىّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إلىّ بالنّوافل حتّى أحبّه فإذا أحببته...» الحديث. وذلك أنّ الرّضا نوعان: أحدهما: الرّضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه. ويتناول ما أباحه الله من غير تعدّ محظور. (وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ). وهذا الرّضا واجب.
ولهذا ذمّ من تركه بقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ...).
والنّوع الثّاني: الرضا بالمصائب: كالفقر والمرض والذّلّ. فهذا رضا مستحبّ في أحد قولي العلماء، وليس بواجب، وقد قيل: إنّه واجب، والصّحيح أنّ الواجب هو الصّبر. كما قال الحسن: الرّضا غريزة، ولكنّ الصّبر معوّل المؤمن. وقد روي في حديث ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن استطعت أن تعمّ بالرّضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا». وأمّا الرّضا بالكفر والفسوق والعصيان: فالّذي عليه أئمّة الدين أنّه لا يرضى بذلك، فإنّ الله لا يرضاه كما قال: (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ)، وقال:( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)، وقال تعالى:( فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ).
فالرضا يثمر محبّة الله ورضاه وتجنّب سخطه، وهو دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، والفوز بالجنّة والنّجاة من النّار، ويضفي على الإنسان المسلم راحة نفسيّة وروحيّة، فهو يجنّب المسلم من الأزمات النّفسيّة ومن القلق الزائد والتوتّر، وهو طريق واضح إلى تحقيق السّلام الاجتماعي.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
28/06/2020
592