+ A
A -
تبنى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الإثنين قراراً يطلب إرسال «بعثة تحقيق» إلى ليبيا تُكلف بتوثيق التجاوزات التي ارتُكبت في هذا البلد منذ عام 2016.
مجموعة دول إفريقية قدمت مشروع القرار في مارس في إطار الدورة الـ43 لمجلس حقوق الإنسان، لكن الدول لم تتمكن من مناقشته بسبب فيروس كورونا المستجد الذي أرغم الأمم المتحدة على تعليق الدورة.
وسيكلف الخبراء في هذه اللجنة لمدة عام بـ«توثيق مزاعم وقوع تجاوزات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وانتهاكات لهذه الحقوق ارتُكبت في ليبيا منذ مطلع عام 2016».
فيما يطلب القرار من الخبراء أن يقدموا تقريراً شفوياً عن عملهم خلال الدورة الـ45 لمجلس حقوق الإنسان التي يفترض أن تعقد في سبتمبر، يليه تقرير كامل خلال الدورة التالية المقررة في مارس المقبل.
حكومة الوفاق المعترف بها دولياً كانت قد طالبت في وقت سابق بإنشاء لجنة تقصي حقائق أممية بانتهاكات قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لا سيما بعد العثور على العديد من المقابر الجماعية في مناطق محررة، أبرزها «ترهونة»، فضلاً عن جثث متحللة لمدنيين.
مقابر ترهونة
عملية «بركان الغضب»، التابعة لحكومة الوفاق الوطني، أعلنت في وقت سابق عن اكتشاف ثلاث مقابر جماعية جديدة في مناطق المشروع الزراعي بترهونة، ومشروع الربط، وسوق «الخميس إمسيحل» جنوب شرقي العاصمة طرابلس.
فقد ذكرت العملية في صفحتها على موقع «فيسبوك» أن لجنة مكلفة من وزارة العدل في حكومة الوفاق وضعت علامات تمنع الاقتراب من المقابر بعد إغلاقها، تمهيداً لاستخراج جثامين الضحايا وفق الأسس المتعارف عليها.
وكان مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، الطاهر السني، قال في تغريدة عبر حسابه على تويتر، الجمعة، إنه تم العثور في ترهونة على «ثماني مقابر جماعية وجثث لعائلات وأفراد من المدينة ملقاة في آبار وحاويات، وبعضهم دفنوا أحياء»، مشيراً إلى مجمل ما تم العثور عليه حتى الآن منذ لحظة تحرير ترهونة.
كما أضاف أن «جميع مَن قُتل في تلك المجازر كان خلال فترة سيطرة ميليشيات حفتر على المدينة، فمن لا يزال يتحدث عن حوار مع مجرم الحرب هذا؟! وهل المحكمة الجنائية الدولية تحتاج أدلةً أخرى ضده؟».
جرائم ضد الإنسانية
وفي وقت سابق كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن إحدى المحاكم بالولايات المتحدة تسلمت من عائلتين ليبيتين ملف قضيتهما ضد جرائم ارتكبها خليفة حفتر بحقهما وحق أسرهما وأملاكهما، بعدما أعلن المركز الإعلامي لحكومة الوفاق الليبية عن مقابر جماعية جديدة في ترهونة وطرابلس.
ووفق ما ذكرته الصحيفة، فإن المحكمة الفيدرالية بولاية فرجينيا استمعت لأقوال الليبية منى صويد وعبدالله الكرشيني، باعتبارهما ضحايا في قضية ضد حفتر، دون ذكر تفاصيل عن هذه القضية.
وأوضحت الصحيفة كذلك أن «محكمة فرجينيا قبلت رفع القضية بسبب امتلاك حفتر الجنسية الأميركية، وعقارات في المدينة اشتراها ما بين عامي 2014 و2017 بقيمة 8 ملايين دولار».
وبدعم من دول عربية وأوروبية، تنازع ميليشيا حفتر، منذ سنوات، حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً بطرابلس على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط، ما أسقط قتلى وجرحى بين المدنيين، بجانب أضرار مادية واسعة.
مؤخراً، حقَّقت قوات حكومة الوفاق انتصاراتٍ، أبرزها تحرير كامل الحدود الإدارية لطرابلس، ومدينة ترهونة، وكامل مدن الساحل الغربي، وقاعدة الوطية الجوية، وبلدات بالجبل الغربي.
بالإضافة إلى ذلك تعرض المدنيون العزل في شرق ليبيا لعمليات اختطاف كحال الناشط المدني خالد السكران، الذي تعرض للاعتقال على يد مليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، في مدينة بنغازي (شرق)، دون أن توجه له أي تهمة، مما يعيد التساؤل حول وضع حقوق الإنسان وحرية التعبير في المناطق الخاضعة للحكم العسكري شرقي ليبيا.
وهذه ليست أول عملية اختطاف لمدنيين في المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها مليشيات حفتر، فقط لمجرد معارضتهم للحرب في طرابلس، وإصرارهم على ضرورة الوصول إلى حلول سلمية لحفظ أرواح الليبيين.
إذ سبق لمليشيات حفتر أن اختطفت النائبة البرلمانية سهام سرقيوة، في 17 يوليو 2019، لمجرد معارضتها للعدوان على طرابلس، رغم أنها من المؤيدين لحفتر.
وإلى اليوم لم يكشف بعد عن مصير سرقيوة، وما إذا كانت مازالت على قيد الحياة أم قتلت كما حدث للآلاف غيرها من الليبيين، وما مجازر ترهونة ومقابرها الجماعية عنا ببعيد.
فلا يكفي أن تكون داعما للجنرال الانقلابي حتى تسلم من جور المليشيات، فبمجرد أن تختلف معهم في أي موضوع، حتى تكون حياتك مهددة، فلا مجال للاختلاف في الرأي تحت حكم العسكر.
وخالد السكران، الذي اعتقلته مليشيات حفتر منذ أكثر من أسبوع، لم توجه له لحد الآن أي تهمة رسمية، رغم أنه سبق وأن اعتقل ليوم واحد في يناير الماضي، ومنع من السفر.
هذا ما دفع البعثة الأممية، للإعراب، الخميس، عن انزعاجها «من استمرار اعتقال خالد السكران في بنغازي منذ أسبوع، بسبب نشاطه السلمي».
وفي لفتة نادرة بإقليم برقة، طالب كتاب ونشطاء ومثقفون ومدونون، الخميس، جهاز الاستخبارات العسكرية في بنغازي، بضرورة «الالتزام بصريح القانون، وإطلاق الناشط والمدون، خالد السكران، بشكل فوري دون قيد ا?و شرط».
كما نددت المنظمة الليبية للإعلام المستقل، باعتقال الاستخبارات العسكرية التابعة لمليشيات حفتر، السكران، معتبرة أن اعتقاله يعد «إخفاءً قسريًّا».
بينما نشرت صفحات داعمة للسكران، عن توجه أعيان قبيلة العواقير التي ينتمي إليها، للسفير الأميركي لدى ليبيا للتدخل وإنقاذ حياته وإنهاء اعتقاله.
وفي ذات السياق، وجه المحلل السياسي محمد بويصير، المقيم في الولايات المتحدة، بلاغا للسفير الأميركي لدى ليبيا، قال فيه إن «المهندس خالد السكران، يا سعادة السفير، أحد هؤلاء الذين يدعون للسلام والحلول السياسية وينبذ الحرب وقد يفقد حياته ثمنا لذلك».
وذكّر بويصير، السفير الأميركي، في تدوينة له، بأنه «شجع الأصوات التي تدعوا للسلام في برقة أن ترتفع».
ففي 6 يونيو الجاري، نشرت السفارة الأميركية على حسابها الرسمي بفيسبوك، أن بلادها تراقب «باهتمام ارتفاع أصوات سياسية في شرق ليبيا للتعبير عن نفسها. ونتطلع إلى رؤية هذه الأصوات تنخرط في حوار سياسي حقيقي على الصعيد الوطني».
لكن هذه الأصوات تتعرض للخنق في مناطق سيطرة حفتر، في ظل غياب قضاء مستقل يمكنه محاسبة هذه المليشيات على جرائمها، وقلما تتمكن الصحافة المحلية بالمنطقة الشرقية من الحديث عن هذه التجاوزات إلا بتوجس.
لكن الهزائم الأخيرة لحفتر في المنطقة الغربية، وفشل مشروعه لحكم ليبيا، وبداية تخلي داعميه الدوليين عنه، وتحدي عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق له، شجّع أصواتا في برقة بالارتفاع متحدية القبضة الحديدية للجنرال المهزوم ومليشياته.
آلاف المهجرين من برقة
مازالوا ينتظرون العودة
لكن أخطر مآسي إقليم برقة، تهجير مليشيات حفتر لآلاف العائلات التي لا تدعم مشروعه الانقلابي، وقتل وتعذيب واختطاف من تبقى منهم والاستلاء على أملاكهم، دون أن يكون لهم أي قدرة على الدفاع عن أنفسهم أمام محاكم مستقلة.
وحسب بعض المصادر، فإن كثيرا ممن تم تهجيرهم، عائلات في بنغازي تعود أصولها إلى مدينة مصراتة (غرب).
فما جرى في بنغازي وشرق ليبيا إجمالا، ما بين 2014 و2017، نوع من التطهير السياسي وربما القبلي إن غصنا في جذوره التاريخية، إذ تكاد برقة تخلوا الآن من المكونات الداعمة للحكومة الليبية الشرعية في طرابلس.
حيث تم سحق العائلات والقوى المنظمة المعادية لحفتر تحت شعار مكافحة الإرهاب، وعلى يد من يطلق عليهم بـ «أولياء الدم»، الذين نفذوا أبشع عمليات الثأر والانتقام ضد خصومهم في بنغازي، وقتلوا الذكور من عائلات مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي، الذي ضم عدة كتائب شاركت في الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011.
إذ نقل تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» الأميركية الحقوقية، نشرته في 2018، عن نازحين من بنغازي، إن المجموعات المرتبطة بمليشيات حفتر، «صادرت ممتلكات أقاربهم الذين بقوا في المدينة وعذبتهم، وأخفتهم قسرا، واعتقلتهم».
وذكرت المنظمة أنه منذ مايو 2014، عندما أعلن حفتر بدء«عملية الكرامة»، فرّ ما يُقدّر بنحو 13 ألف عائلة من بنغازي بينها 3 آلاف و700 نزحت قسرا، وأن المجموعات المسلحة في المدينة «تمنع آلاف العائلات المهجّرة داخليا من العودة إلى ديارها».
لكن هذا الرقم بعيد جدا عن الواقع إذ يشمل فقط المسجلين لدى المجلس البلدي لبنغازي، ففي أبريل 2015، أعلن المركز الإعلامي لتجمعات سكان بنغازي أن العدد الإجمالي للأسر النازحة تجاوز 28 ألف عائلة.
في حين قال ياسين العبيدي، رئيس تنسيقة مهجري بنغازي والمنطقة المحيطة، في حوار سابق مع الأناضول، إن هناك على الأقل 100 ألف مُهجّر من بنغازي لوحدها.
عدالة مختطفة
فالوضع الإنساني والحقوقي في شرق ليبيا مأساوي، وتبدو العدالة مكبلة وغير قادرة على إنفاذ القانون.
وفي هذا الصدد، أدانت منظمة رصد الجرائم (ليبية مستقلة) «الاعتداءات المتكررة على رجال القانون في بنغازي، والتي تمثلت في الخطف وتقييد الحريات والإخفاء القسري».
وعلى سبيل المثال، أوردت المنظمة قضية اختفاء المستشار القانوني لإدارة الشرطة العسكرية صلاح جمعة بالتمر، في 7 مارس 2020، على خلفية إدانته لعمليات القبض والخطف لرجال القضاء والقانون، على غرار المحامي عدنان العرفي، وذلك في مداخلة هاتفية عبر إحدى القنوات.
وإذا كان رجال القضاء معرضين للاختطافات وللاختفاءات القسرية، فأنّى لهم أن يحموا الصحفيين والحقوقيين والنشطاء السياسيين ناهيك عن العسكريين في إقليم برقة، من عصابات حفتر.
فبنغازي لم تنتفض على القذافي لتسقط تحت أرجل حكم عسكري أكثر إجراما من سابقه، وإصرار الحقوقيين والإعلاميين في شرق ليبيا على بناء دولة القانون لا يمكن أن يكون إلا تحت دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وحرية التعبير.
copy short url   نسخ
24/06/2020
567