+ A
A -
عصر الاستعمار
منذ بداية القرن التاسع عشر تعرّض العالم الإسلامي للاحتلال الإمبريالي بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء عبر غزوات عسكرية مباشرة وطويلة الأمد أو عن طريق حكومات مسلوبة الإرادة، ورغم انهيار النظام العالمي الذي تأسّس في أعقاب الحرب العالمية الثانية على أساس معسكري؛ الغرب/‏ حلف شمال الأطلسي «ناتو»، والاتحاد السوفياتي/‏ حلف وارسو عام 1990، فإن العالم لم يشهد إلى اليوم إنشاء آليات توازن لنظام عالمي متعدد الجهات الفاعلة.
وأدَّى الفراغ الناجم عن عدم الاستقرار وفقدان الكيانات السياسية خصائص الدولة إلى ظهور حركات سياسية واجتماعية ودينية جديدة بالعديد من البلدان الإسلامية، في محور واسع يمتد من المغرب إلى إندونيسيا، وتحوّل العديد من الكيانات التي تأسست باسم الإسلام إلى كائنات معدلة وراثياً، بعد التلاعب في تركيبتها الجينية وإفراغها من محتواها، مع أوجه تشابه مع الكيانات التي سبقتها حتى في أسمائها.
قضية الشرق الأوسط
ما زلت أحافظ على الحماسة العميقة التي تركها في قلبي ذلك الحشد الجماهيري من أجل القدس، الذي تحدّى العالم من ولاية قونية سنة 1980، عندما كنت طالباً بالمدرسة الإعدادية في جمهورية شمال قبرص التركية، وفي تلك الأعوام تابعت أدق التفاصيل عن مجازر صبرا وشاتيلا التي وقعت بلبنان.
كما تعرّفت إلى شباب مسلمين قادمين من شتى البقاع الجغرافية الإسلامية للمشاركة في «معسكر الشباب الإسلامي في (جمهورية شمال) قبرص»، الذي أقامه رئيسها السابق (المؤسس) رؤوف دنكطاش، بهدف التعريف بالدولة الفيدرالية التركية القبرصية سنة 1978، وشعرت حينها بالانتماء لأول مرة إلى «أمة».
بدأت دراستي الابتدائية في مدينة طرابلس الغرب (العاصمة الليبية)، وأنهيت الثانوية في ليفكوشا (نيقوسيا) شرقي البحر المتوسط، ما جعلني جزءاً لا يتجزأ من المتوسط، الذي أصبح حوضاً طورت فيه مهمتي وقضيتي، وكما (جمهورية شمال) قبرص هي المتوسط بالنسبة لي فالقدس كذلك.
وفي أكتوبر 1983، بدأت دراستي الجامعية في جامعة الشرق الأوسط التقنية، وباتت تلك سنوات تعمقت فيها أحزاني كلما قمت بمقارنات بين تركيا والبلدان المتقدمة، وعقب أحداث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة الأميركية بدأ المسلمون يُحاصرون من كل جهة، عبر عملية بدأت باحتلال أفغانستان واستمرت باحتلال العراق.
وإلى جانب الهجمات الإعلامية التقليدية، نشهد هجماتٍ بشعة عبر وصم الأشخاص أو المنظمات أو الدول بصفة «داعم للإرهاب/‏ إرهابي»، فخلال التسعينيات شهدت يوغوسلافيا أولى حالات الفوضى الناجمة عن البحث عن نظام جديد في العلاقات الدولية، ومع تفككها اهتزت ضمائرنا بالمجازر التي وقعت في البوسنة والهرسك، قرة أعيننا.
وشاهدنا حينها جهود الإغاثة والتضامن الإنساني التي بذلتها منظماتنا المدنية (التركية) في البوسنة والهرسك، قبل وجود أي نشاط ميداني للعديد من الدول. ولاحقا أثبتت منظماتنا المدنية وجودها في مناطق مثل مورو والشيشان وكشمير وفلسطين وأراكان وكركوك والصومال، كما دعمت أمتنا ودولتنا إرادة منظماتنا في مد يد الرحمة والخير إلى المظلومين في العالم.
وشهدت فلسطين انقساماً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، نتيجة للخلاف السياسي بين حركتي فتح وحماس، وأدى هذا الانقسام السياسي والجغرافي إلى زيادة معاناة المسلمين بالقطاع، لكن مبادرة منظماتنا المدنية في الإغاثة الإنسانية خفّفت ولو قليلاً من المعاناة فيه.
وشاهدت أمتنا بفخر الأنشطة التي قامت بها منظمات المجتمع المدني التركية في غزة، بعد تشديد إسرائيل لحصارها المطبق على أهالي القطاع.
دبلوماسية تركية فعالة
وخاضت تركيا جهود وساطة جبارة بالشرق الأوسط، قبل أن تعرقلها الهجمات الإسرائيلية على غزة في 2008، والتي أدت إلى زيادة التوتر في العلاقات، وفي 31 مايو 2010، تعرّضت سفينة «مافي مرمرة» التي كانت تحمل على متنها متطوعين من أمم مختلفة، لاعتداء دنيء، أدى لاستشهاد 10 من مواطنينا وإصابة أكثر من 50 آخرين، بحادثة مؤلمة جاءت في وقت كانت ترغب فيه أنقرة في إحلال السلام بالشرق الأوسط.
هذه الحادثة تحوّلت إلى أزمة سياسية بين تركيا وإسرائيل، ودخلت العلاقات بين البلدين مرحلة تخفيض العلاقات الدبلوماسية إلى أدنى مستوى، وترتب على قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين نتائج مهمة على صعيد منطقة الشرق الأوسط عموماً وفلسطين خصوصاً.
من جهة أخرى، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تغييرات مهمة بعد عام 2010، حيث بدأت الحرب الأهلية في اليمن وسوريا، وأطيح بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي عبر انقلاب عسكري.
كما تدخلت العديد من الدول في الحرب السورية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وإيران، التي زاد نفوذها السياسي في سوريا ولبنان واليمن، فيما زادت إسرائيل من ظلمها وضغوطها في القدس والضفة الغربية.
دخلت المنطقة مرحلة شهدت تصاعداً لجهود قصيرة الأجل وبعيدة عن الواقع، وتقوم على معاداة تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان من قبل تحالفات مصطنعة ومؤقتة تقودها مصر والإمارات وأطراف معادية لتركيا، وفي الحقيقة لا توجد أي قضية لا يمكن حلها مع الدول المذكورة، ويمكن تأسيس الكثير من توازنات المصالح المشتركة بالنظر إلى المستقبل.
دعم مستمر لفلسطين
واعتبارا من يوليو 2020، تستعد إسرائيل لضم مناطق المستوطنات في الضفة الغربية ووادي الأردن، لكن كل الخطوات الخاطئة التي تنفذ من منطلق فرض «الأمر الواقع»، تمثل إرثاً من «الأزمات» تتوارثه الأجيال القادمة، فعدم إدراك قيمة دور وقوة تركيا، وعدم التجاوب مع نصائح قيادتها ومقاربتها العادلة إنما يعد خسارة تاريخية كبيرة للغاية.
وستواصل تركيا وقوفها إلى جانب المحتاجين عبر مؤسساتها الإغاثية، والوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، وإدارة الطوارئ والكوارث (آفاد)، ورئاسة الشؤون الدينية، والهلال الأحمر التركي، وهيئة الإغاثة الإنسانية ?HH، والعديد من مؤسساتنا الخيرية الأخرى.
ولقد شهد الجميع النجاحات التي حققتها مؤسساتنا هذه في الأعوام الأخيرة، وجزء هام منها أنجزته «تيكا» التي قامت ببناء مستشفيين بالضفة وغزة، في إطار المنظور الشامل لأنقرة تجاه الشعب الفلسطيني في الاستثمارات الصحية، ونفذت أعمال ترميم في القدس من أجل حماية آثارها.
دُمرت البنية التحتية لغزة عقب الهجوم الإسرائيلي في 2008، وتضررت الحياة الاقتصادية والاجتماعية بفعل الحصار المفروض على القطاع براً وبحراً وجواً منذ 2006، وقامت تركيا بمتابعة شخصية من الرئيس أردوغان، بتزويد محطة الكهرباء الوحيدة في غزة بالوقود مرات عديدة، من خلال التنسيق مع الأمم المتحدة.
كما تواصل تركيا مشاريعها المائية في غزة، مثل حفر الآبار ومنشآت التنقية وتأمين الكلور، لحل مشاكل المياه التي تفاقمت في القطاع مع الهجمات الإسرائيلية، ونفذت «تيكا» مشاريع لدعم المزارعين ومربي المواشي في غزة، وافتتحت معصرة زيتون حديثة بالقطاع.
ومن المشاريع الهامة الأخرى التي نفذتها الوكالة مشروع «إرادة» لتأهيل وتدريب معاقي الحروب الإسرائيلية على غزة، وإقامة وحدات سكنية تضم 320 شقة للأيتام والأرامل، وحفل زفاف جماعي لـ 4 آلاف شاب وشابة، بالتعاون مع رئاسة الشؤون الدينية، كل الدعم المادي والمعنوي الذي توفره حكومتنا هو من أجل وحدة فلسطين ووحدة الصف الفلسطيني، ونيلها حقها المتمثل في إقامة دولة ذات سيادة.
السلام في الشرق الأوسط
نحرص على الوقوف إلى جانب كافة أشقائنا الفلسطينيين، بمقتضى الموقف المبدئي لدولتنا الرامي لتحقيق السلام الإقليمي بالشرق الأوسط المتشرذم، وخلال لقاءاتنا مع الأطراف المعنية نعرب في كل مرة عن دعمنا للسلام الدائم بالمنطقة، وننتقد المبادرات التصادمية والعدوانية، ونؤكد على أن المنطقة بأسرها بحاجة للسلام وليس فلسطين فقط، كما نوضح أن وضع العراقيل أمام أنشطتنا لن يعود بالفائدة على أحد، حيث إننا نقدم قيمة مضافة هامة لاقتصاد المنطقة من خلال مساعداتنا التنموية.
إن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه إلا عبر مقاربة عادلة قائمة على المساواة ولا تُقصي أي طرف، وإلا فإنه لا مفر من مواجهة المشهد المؤلم والتداعيات المدمرة للمبادرات، التي تضرب بالنصوص الأساسية، نتاج الخبرات المؤسسية التي اكتسبها العالم حتى اليوم، عُرض الحائط، وتتجاهل القانون الدولي والحقائق التاريخية، والتي يتم تسويقها تحت مسمى «صفقة القرن» المزعومة للسلام.
إن ما نحتاجه في قضية جوهرها القدس ليس إبداء ردود أفعال سطحية وضيقة بناء على اصطفافات معينة، بل العمل على توفير بيئة لسلام عالمي، وتكاتف العالم الإسلامي بأسره مع تركيا في الدفاع عن القدس.فصّل نائب وزير الثقافة والسياحة التركي ، الأحد، موقف تركيا من القضية الفلسطينية، تزامناً مع الخطوات الإسرائيلية الرامية إلى ضمّ أجزاء من الضفة الغربية المحتلة من جانب واحد، محذراً من مخاطرها على السلام في الشرق الأوسط.
ونشرت وكالة الأناضول تحليل الدكتور سردار تشام، الذي يؤكد فيه أن كل الخطوات الخاطئة التي تنفذ من منطلق فرض «الأمر الواقع» تمثل إرثاً من «الأزمات»، وأن عدم إدراك قيمة دور وقوة تركيا وعدم التجاوب مع نصائح قيادتها ومقاربتها العادلة خسارة تاريخية، ويقول: «نحرص على الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، بمقتضى الموقف المبدئي لدولتنا، الرامي للسلام بالشرق الأوسط المتشرذم».
copy short url   نسخ
22/06/2020
647