+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي[email protected]بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
العبادة اسم جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظّاهرة. وقيل: هي اسم يجمع كمال الحبّ لله ونهايته، وكمال الذّلّ لله ونهايته. وقيل: عبادة الله: طاعته بفعل المأمور وترك المحذور. وقال المناويّ: العبادة فعل المكلّف على خلاف هوى نفسه تعظيما لربّه. وقيل: هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التّذلّل والخضوع المتجاوز لتذلّل بعض العباد لبعض، ولذلك اختصّت بالرّبّ، وهي أخصّ من العبوديّة الّتي تعني مطلق التّذلّل.
أمّا العبوديّة فقد عرّفها الجرجانيّ بقوله: هي الوفاء بالعهود، وحفظ الحدود، والرّضا بالموجود، والصّبر على المفقود.
والفرق بين الطّاعة والعبادة: أنّ العبادة غاية الخضوع، ولا تستحقّ إلّا بغاية الإنعام، ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلّا بمعرفة المعبود، أمّا الطّاعة فهي الفعل الواقع على حسب إرادة المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممّن يفعل ذلك وتكون للخالق، والمخلوق، كما أنّ الطّاعة لا يصحبها قصد الاتّباع، كالإنسان يكون مطيعا للشّيطان وإن لم يقصد أن يطيعه ولكنّه اتّبع دعاءه وإرادته.
فالعبادة ضربان: قال الرّاغب: عبادة بالتّسخير: وهي للإنسان والحيوانات والنّبات، عبادة بالاختيار: وهي لذوي النّطق، وهي المأمور بها في قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)، أمّا العبد فإنّه يقال على أضرب: الأوّل: عبد بحكم الشّرع: وهو الإنسان الّذي يصحّ بيعه وابتياعه.
الثّاني: عبد بالإيجاد: وذلك ليس إلّا لله وإيّاه قصد بقوله: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً)
الثّالث: عبد بالعبادة والخدمة: والنّاس في هذا ضربان: عبد مخلص لله، وهو المقصود بقوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ)
عبد للدّنيا وأعراضها، وهو المعتكف على خدمتها ومراعاتها وإيّاه قصد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «تعس عبد الدّرهم، تعس عبد الدينار».
وذكر أهل التّفسير أنّ العبادة في القرآن على وجهين: أحدهما: التّوحيد. ومنه قوله تعالى في سورة النّساء: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) أي وحّدوه.
والثّاني: الطّاعة. ومنه قوله تعالى في يس: أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ)، وفي سبأ: (أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ).
فالعبادة رفعة المكان والمكانة، وفيها عظم الثّواب، ورضا ربّ الأرباب، وهي صورة لشكر العبد المنعم عليه، وعلامة رضاه عن النّعم، وعلامة التّوفيق من الله، ودليل التّوكّل، وعلامة التّعقّل.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
21/06/2020
848