+ A
A -
يعقوب العبيدلي
العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، لكن مذاهبه غامضة، وأحكامه جائرة، يطلق اللسان، ويفجر الطاقات، ويطلق الملكات والمواهب، ويفتح الشهية، ويبعث على تحسين السلوك، والاهتمام «بالكشخة» على الدوام، ويدعو على التلطف و«السنع» والتزين، والهمة والتواصل، من أحب وعشق لا يهدأ إلا بمعشوقته التي اختارها قلبه، ولا ينشغل إلا بها، لا يرى في الدنيا غيرها، ولا يستلذ باللحظات إلا معها، من أحب بصدق سعى نحو الكمال، بطلب العلم، والاجتهاد في طلب المعالي، ومن نال مطلوبه بالزواج من حبيبته عاش سعيداً، وفريداً، وكريماً، ومسروراً، ومن لم ينل مطلوبه أصابه الأرق، والسهر، والحزن الشديد، والعَبرة والدمعة، للعاشق عنوان «السهر الطويل» والأرق الجميل «الذي لا ينقطع، و»القلب العليل». غاية العاشق بلوغ الحال والوصول إلى المحال، تراه دائماً في الحل والترحال، مشتاقٌ مُهَيَّجُ القلبِ لذكر حبيبته، يقول المتنبي:
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ * فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني * عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ فيهِ ما لَقُوا
يقول المتنبي، الشاعر العربي الفحل، إنَّه عندما ذاق مرارة العشق وما فيه من وجع وانكسار عذرَ العشاق على جزعهم وحزنهم، بل وعجبَ كيف يبقى حيًّا من يكون عاشقًا، ثمَّ يذكر أنَّه عندما شعَرَ بذنبهِ تجاه أهل العشق -وكان ينتقدهم ويوبخهم- لقي ما لقوا من الأسى والتعب والانكسار والوجع، وكما قال الشاعر المجنون في عشقه: (العشق ليس يفيق الدهر صاحبه، وإنما يصرع المجنون في الحين)، وكانت ليلى تتحرى أخبار مجنونها وترصد تحركاته وكانت تقول في قيسها المجنون بها: (لم يكن المجنون في حالة، إلا وقد كنت كما كانا، لكنه باح بسر الهوى، وإنني قد ذبت كتمانا)، ورحم الله الشاعر الذي قال في ذلك الموقف:
تزود كلّ الناس زاداً يقيهم * وما لي زاد والسلام على نفسي!!
وأنا أنادي، أين زادي؟ وعلى الخير والمحبة نلتقي.
copy short url   نسخ
19/06/2020
478