+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قال ابن الأثير: من أسماء الله تعالى «الرّحمن الرّحيم» وهما اسمان مشتقّان من الرّحمة، مثل ندمان ونديم، وهما من أبنية المبالغة، ورحمن أبلغ من رحيم، والرّحمن خاصّ بالله لا يسمّى به غيره ولا يوصف، والرّحيم يوصف به غير الله تعالى، فيقال: رجل رحيم، ولا يقال رحمن.
الرّحمة من صفات الذّات لله تعالى والرّحمن وصف وصف الله تعالى به نفسه وهو متضمّن لمعنى الرحمة.
قال الخطّابي: ذهب الجمهور إلى أن «الرحمن» مأخوذ من الرحمة. ومعناه ذو الرحمة لا نظير له فيها، ثم قال: فالرحمن ذو الرحمة الشاملة للخلق، والرحيم خاص بالمؤمنين. قال الله تعالى: (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً).
وقال الغزالي: الرحمن الرحيم اسمان مشتقّان من الرحمة، والرحمة تستدعي مرحوما، ولا مرحوم إلا وهو محتاج، والّذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمّى رحيما، والّذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها، فإن كان قادرا على قضائها لم يسمّ رحيما، إذ لو تمّت الإرادة لوفّى بها، وإن كان عاجزا فقد يسمّى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرّقّة، ولكنّه ناقص. وإنّما الرحمة التامة إفاضة الخير على المحتاجين وإرادته لهم عناية بهم، والرحمة العامة هي التي تتناول المستحق وغير المستحق، ورحمة الله عز وجل تامة وعامة، أما تمامها فمن حيث إنه أراد قضاء حاجات المحتاجين وقضاها، وأما عمومها فمن حيث شمولها المستحق وغير المستحق، وعم الدنيا والآخرة، وتناول الضرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما، فهو الرحيم المطلق حقا.
والرحمة لا تخلو عن رقة مؤلمة تعتري الرحيم فتحركه إلى قضاء حاجة المرحوم، والرب سبحانه وتعالى منزه عنها، فلعلك تظن أن ذلك نقصان في معنى الرحمة، فاعلم أن ذلك كمال وليس بنقصان في معنى الرحمة، أما أنه ليس بنقصان فمن حيث إن كمال الرحمة بكمال ثمرتها. ومهما قضيت حاجة المحتاج بكمالها لم يكن للمرحوم حظّ في تألّم الراحم وتفجعه، وإنما تألم الراحم لضعف نفسه ونقصانها، ولا يزيد ضعفها في غرض المحتاج شيئا، بعد أن قضيت حاجته.
وأما أنه كمال في معنى الرحمة، فهو أن الرحيم عن رقة وتألم يكاد يقصد بفعله دفع ألم الرقة عن نفسه،
فيكون قد نظر لنفسه وسعى في غرض نفسه، وذلك ينقص عن كمال معنى الرحمة، بل كمال الرحمة أن يكون نظره إلى المرحوم لأجل المرحوم، لا لأجل الاستراحة من ألم الرقة.
أما الرحمن فهو أخص من الرحيم، ولذلك لا يسمى به غير الله عز وجل، والرحيم قد يطلق على غيره، ولذلك جمع الله عز وجل بينهما، فقال: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى). فيلزم من هذا الوجه أن يفرّق بين معنى الاسمين فمن ثم يكون المفهوم من الرحمن نوعا من الرحمة هي أبعد من مقدورات العباد، وهي ما يتعلّق بالسعادة الأخروية، فالرحمن هو العطوف على العباد، بالإيجاد أولا، وبالهداية إلى الإيمان وأسباب السعادة ثانيا، وبالإسعاد في الآخرة ثالثا، والإنعام بالنظر إلى وجهه الكريم رابعا.
وقال ابن القيم: الرحمة سبب واصل بين الله عز وجل وبين عباده، بها أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وبها هداهم، وبها يسكنهم دار ثوابه، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم، فبينهم وبينه سبب العبودية، وبينه وبينهم سبب الرحمة.
الجنة هي دار الرحمة لا يدخلها إلا الراحمون برحمة الله، وبرحمة الله تعالى يوفق العبد لترك المعاصي، ونيل الدرجات.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
14/06/2020
7881