+ A
A -
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الرأفة تدلّ كما يقول ابن فارس على الرّقّة والرّحمة، قال تعالى: (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) وقرئت رآفة، والرّأفة أشدّ الرّحمة، وقيل هي أرقّ من الرّحمة، ولا تكاد تقع في الكراهة، والرّحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة، يقول أبو زيد: رؤفت بالرّجل أرؤف رأفة ورآفة، ورأفت به أرأف (كذلك) ورئفت به رأفا، قال: كلّ من كلام العرب والرّءوف اسم للمولى- عزّ وجلّ- وصفة من صفات رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم: فمن صفات الله عزّ وجلّ الّتي سمّي بها «الرّءوف» ومعناها الرّحيم لعباده العطوف عليهم بألطافه وفيه لغتان قرأ بهما جميعا: رءوف على فعول وهي قراءة أهل المدينة ورؤف على فعل، فمن الأوّل قول كعب بن مالك الأنصاريّ رضي الله عنه: نطيع نبيّنا ونطيع ربّا... هو الرّحمن كان بنا رءوفا؛ ومن الثّاني قول جرير: يرى للمسلمين عليه حقّا... كفعل الوالد الرّؤف الرّحيم؛ فالله- عزّ وجلّ- هو الرّءوف لأنّه المتناهي في الرّحمة بعباده لا راحم أرحم منه ولا غاية وراء رحمته. وقال الغزاليّ: الرّؤف (معناه) ذو الرّأفة، والرّأفة شدّة الرّحمة، وقال ابن الأثير: هو الرّؤف بعباده العطوف عليهم بألطافه.
وجاء وصف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالرّءوف والرّحيم في قوله تعالى: (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَحِيمٌ) فالرّءوف (هنا) شديد الرّحمة، (والرّحيم) الّذي يريد لهم الخير، وقيل رءوف بالطّائعين ورحيم بالمذنبين، قال ابن عبّاس: سمّاه (المولى) باسمين من أسمائه، وفي الجمع بينهما دلالة على أنّ في كلّ منهما معنى ليس في الآخر على نحو ما ذكره أهل العلم.
يقول النّيسابوريّ: ومن رأفته صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر بالرّفق كما قال: إنّ هذا الدّين متين فأوغل فيه برفق ومن رحمته قيل له (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) وههنا نكتة وهي أنّ رأفته ورحمته لمّا كانت مخلوقة اختصّت بالمؤمنين فقط وكانت رأفته عزّ وجلّ ورحمته للنّاس عامّة (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) وهناك نكتة أخرى هي أنّ رحمته صلّى الله عليه وسلّم عامّة للعالمين وأمّا رحمته المضمومة إلى الرّأفة فخاصّة بالمؤمنين، وكأنّ الرّأفة إشارة إلى ظهور أثر الدّعوة في حقّهم فالمؤمنون أمّة الدّعوة والإجابة جميعا وغيرهم أمّة الدّعوة فقط. قال الكفويّ: الرّأفة مبالغة في رحمة مخصوصة هي رفع المكروه وإزالة الضرّ.
قال بعض العلماء الرّحمة هي أن يوصّل إليك المسارّ، والرّأفة هي أن يدفع عنك المضارّ، والرّأفة إنّما تكون باعتبار إفاضة الكمالات والسّعادات الّتي بها يستحقّ الثّواب، والرّحمة من باب التّزكية والرّأفة من باب التّخلية، وذكر الرّحمة بعد الرّأفة مطّرد في القرآن الكريم لتكون أعمّ وأشمل. وقال ابن الأثير: الرّأفة أرقّ من الرّحمة، ولا تكاد تقع في الكراهة، والرّحمة (قد) تقع في الكراهة للمصلحة.
فالرأفة مدعاة لرضى الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وتكون سببا في دخول الجنّة، وصاحبها يحمل صفة يتحلّى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وينال درجة عالية من الأجر؛ لأنّها أشدّ الرّحمة وأرقّها، فهي سبب للألفة والمحبّة بين عباد الله المسلمين، ومن رزق الرّأفة فقد جمع كثيرا من خصال الخير.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
[email protected]د. فاطمة سعد النعيمي
copy short url   نسخ
07/06/2020
1436