+ A
A -
العبيد أحمد مروح كاتب وصحفي ودبلوماسي سوداني سابق
في السرد التاريخي، نشير إلى ان القذافي زار الخرطوم أكثر من مرة في مطلع التسعينيات، وخاطب في إحداها جلسات المؤتمر التأسيسي لنظام المؤتمرات. لكن هذه العلاقة أيضاً لم تدم طويلاً، بل تحوّلت إلى حالة حرب باردة، خصوصاً بعدما بدأت تظهر معالم التوجه الإسلامي للنظام الجديد في السودان، واتضح لأجهزة المخابرات الليبية أن معارضي نظام القذافي الإسلاميين فتحوا قنواتٍ للتواصل مع السودان، فأعاد نظام القذافي فتح خطوطه مع الحركة الشعبية، ومع بعض قادة التجمع الوطني السوداني المعارض، وبدأ يقدم لهم بعض أشكال الدعم المادي، لكن وتيرة هذا الدعم تزايدت، وأصبحت شبه مكشوفة، بعدما ظهرت حركات سودانية مسلحة في إقليم دارفور تحارب النظام في الخرطوم، وكان القذافي يُظهر أنه يقوم بدور الوسيط في ذلك النزاع، في الوقت الذي كان يصبّ فيه الزيت على نار الصراع! لم يقف النظام في الخرطوم مكتوف الأيدي تجاه هذه الخطوات، لكنه، في الوقت نفسه، لم يكن يرغب في إظهار الخصومة لنظام القذافي، اتقاءً لشرّه. ولهذا عندما بدأت ثورة فبراير في ليبيا، كإحدى ثورات الربيع العربي نسج نظام الخرطوم شبكة علاقات سرّية مع الثوار الليبيين في الشرق وفي الغرب. ومن الثابت أن غالب الأسلحة التي مكّنت ثوار طرابلس من السيطرة على العاصمة، وإسقاط النظام رسمياً رتبت أمرها الخرطوم. ولهذا احتفظت الأخيرة بعلاقات جيدة مع الثورة الليبية في شرق البلاد وغربها، وكانت البعثة الدبلوماسية السودانية في ليبيا من البعثات القليلة جداً التي لم تغادر التراب الليبي، على الرغم من الخطر الذي ظل يتهدد الوجود الدبلوماسي الأجنبي في حينه وبعدها، لكن فاعلية التأثير السوداني بمجريات الأوضاع في ليبيا تراجعت إلى حدٍ كبير، بفعل الضغوط التي ظلت الخرطوم تتعرّض لها من اطراف دخلت على خط الأزمة في ليبيا، محرّضة اللواء المتقاعد خليفة حفتر وداعمتين له، عندما أعلن ما سمّاها عملية الكرامة في عام 2014.وحين قوي ساعد حفتر، وأعلن عزمه على التقدم نحو الغرب الليبي، نشط سماسرة الصراعات من رجاله وداعميه في استقطاب منسوبي الحركات المسلحة في دارفور، ممن لم ينخرطوا في اتفاقات السلام التي استضافتها الدوحة في 2011، والذين فقدوا كثيراً من مناطق تمركزهم بفعل الضغوط العسكرية التي شكلتها عليهم الحكومة السودانية.
ونجح سماسرة حفتر في تجنيد عديدين من منسوبي تلك الحركات، بالاتفاق مع قادتها وفق صيغ محدّدة يمكن إجمالها في عبارة «الرجال والقتال مقابل السلاح والمال». وقد كان أحد أبرز الأمثلة على ذلك، المعركة بين قوات مشتركة من الجيش السوداني والدعم السريع ضد قوات من حركة تحرير السودان بقيادة مني مناوي داخل الحدود السودانية، بينما كانت الأخيرة عائدة من ليبيا في مايو 2017، محملة بالأسلحة والعتاد.{ عن(العربي الجديد)
copy short url   نسخ
06/06/2020
321