+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
تشتبك في الأقانيم المقدسة التي صاغتها القبيلة العربية لزعيمها، الموروثات المحلية والعامة في البيئات العربية مع المدخل الديني ما قبل الإسلام، فتعزز فكر النخبة المهيمن على الوعي القبلي العام، وأفضى إلى تأبيد القناعة لدى العامة بأن الخلاص من المتاعب الفردية والجماعية لا يتأتى إلا بإرادة الزعيم، لينسب له المجد حتى في نزول الغيث؛ أي أنه يبلغ مرحلة الألوهية المنزهة عن الهوى والغرض.
وهكذا انبنت هرمية السلطة والمجتمع بشكل عامودي، لتتمركز وتدور حول الذات العليا التي تمثل اليقين الأوحد في الثقافة العامة. وعلى الدوام، تفننت الثقافة السائدة في بث صورة نمطية عن الزعيم الكلي القدرات، الذي صار في خضم التحولات التي شهدها المجتمع العربي، حاكما لدولة القبيلة القائمة حاليا.تكريسا لهذه البنى المتخلفة، نسج الزعيم سلطة ذات طابع شمولي قامع لأي تحرك ينتقد أو يرفض شمولية النظام، وما الصعاليك العرب إلا واحدة من أبرز التعبيرات الاجتماعية الخارجة عن قانون القبيلة وعصبيتها المتمحَورة حول بؤرة فكرة القبيلة وزعامتها.وقد عرفت القبيلة العربية كثيرا من نماذج الشطط في سلطة الزعيم، وفي مقدمتها كان مثال كليب بن وائل التغلبي، الذي ذهب مذاهب غير مسبوقة في التحكم بالخلق، سواء من قبيلته أو من تجمع القبائل الذي نصبه ملكا عليه في القرن الخامس الميلادي، ما اعتبر في حينه أول محاولة عدنانية كبرى لبناء دولة عربية، ذات بعد قومي، كتب أن حدودها أو سطوتها امتدت من تخوم اليمن حتى بلغت عميقا في بلاد الشام.والعروق التي تنبض، عند الشموس بنت عفار، قد لا يكتب لنبضها أن يستمر، سواء في اليمامة أو في دولة كليب التغلبي، إذ وئدت الأولى بالغزو العربي الجنوبي الذي استثمر في التطاحن الداخلي، بينما كان مصير الثانية الموت السريع بفعل تمركز السلطة ونزق الزعيم وفقدان التجربة السياسية لديه في قيادة الدولة الناشئة.كانت اليمامة أنموذجا متعدد القراءات؛ فمن كيان مزدهر بجدية ناسه ورشد الحكم وخصب البيئة، إلى كيان تخلخل بنيانه بفعل الصراع القبلي بين طسم وجديس، وانتهاء به يتهاوى سريعا دون أية مقاومة لجيش سبأ اليمني، حتى غدا احتلال اليمامة مضرب مثل في سهولة الاستسلام.
copy short url   نسخ
06/06/2020
332