+ A
A -
كلما تشعبت وتعددت سلاسل التوريد كانت المخاطر أكبر، ومنذ تفشي فيروس كورونا يشهد الاقتصاد تكاليف باهظة بسبب التوقف عن العمل، فهل بدأ العد التنازلي للعولمة؟
شركة داكسار (Dachser) اللوجيستية (خدمات النقل والشحن) تشبه مقياس الزلازل للتجارة العالمية. فعندما يحصل خلل في أي مكان في الاقتصاد، فإن أنوار الإنذار تشتعل في مقر الشركة الرئيسي. حوالي 12.000 شاحنة نقل تعمل بتكليف من الشركة عبر أوروبا، وتُحرك الشركة المملوكة عائلياً 8000 حاوية بمنتجات من مختلف القطاعات على مستوى العالم.
وحتى عندما كان جزء كبير من العالم أثناء الوباء واقعاً في الحجر الصحي، لم يحصل توقف لدى شركة داكسار: «سُجل تراجع في بعض المنتجات الصناعية واقتصاد السيارات، لكن مجالات الاستهلاك مثل المواد الغذائية عرفت طفرة»، يقول أندرياس فروشماير المسؤول عن التوجه الاستراتيجي للشركة، لكن حتى قطاع الخدمات اللوجيستية يكافح ضد تبعات فيروس كورونا.
سلاسل التوريد الملعونة
وفي مجال الصناعة بالتحديد تقف شركة داكسار أمام فترة تحول. «الكثير من الزبائن سيتحققون هل من المعقول إيجاد سلاسل توريد في أي مكان في العالم»، يقول فروشماير في حوار مع DW. وفي ألمانيا تمثل الصناعة ربع الناتج القومي المحلي، وفي الولايات المتحدة تكون تلك النسبة أقل، وفي الصين يصل قسط الصناعة في الإنتاج الاقتصادي إلى 40 في المائة. والبلدان الثلاثة تُعد مراكز لتوزيع العمل، وهنا يأتي الكثير من الأجزاء التي يتم معالجتها ثم في الغالب توجه للتصدير.
وليست صدمة كورونا فحسب هي التي كشفت هشاشة سلاسل التوريد، فحتى من الناحية السياسية يتم حالياً مجابهة توزيع العمل العالمي. «هذه السلاسل الملعونة للتوريد عندما لا يشتغل جزء منها في العالم يتبعثر كل شيء. يجب علينا توفيرها مجدداً في الولايات المتحدة الأميركية»، كما أفاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وهو ليس الوحيد بهذا الانتقاد، فخبراء البيئة يرون في توزيع العمل الدولي حماقة بيئية، والكثير من خبراء التجارة ينتقدون توزيع العمل منذ أزمة كورونا بحكم أنه معرض لصدمات خارجية.
لكن يمكن على كل حال ملاحظة التوجه نحو سلاسل التوريد القصيرة منذ عشر سنوات، كما يقول خبير الاقتصاد هارتموت إيغر: «بعد الأزمة المالية جاء رد فعل كثير من الشركات التي بحثت عن الموردين والمنتجين القريبين منها». وعلى هذا النحو بات الإنتاج بالنسبة إلى أوروبا مغرياً في بلدان في أوروبا الشرقية وشمال افريقيا. وأزمة كورونا من شأنها تقوية هذا التوجه. «الأزمة تأتي أيضا دوماً بحقائق حول التكاليف. ومن تم يمكن للشركات أن تفهم أحسن التكاليف عندما تنهار سلاسل التوريد»، كما شرح إيغر في مقابلة مع DW.
بعيداً عن الإنتاج
في نفس الوقت
فائدة التحكم في سلاسل التوريد يلحظها حالياً منتج أجهزة الحدائق والزراعة شتيل (Stihl) على سبيل المثال، فالبضاعة التي تُصدّر بشكل واسع من قبل الشركة هي المنشار الآلي الذي يتم بيعه في أكثر من 160 بلداً. ونصف مجموع الأجزاء تنتجه شركة شتيل، وبهذا تفوقت الشركة أثناء الوباء على المنافسة، كما يقول المتحدث باسم الشركة شتيفان كاسباري. «واصلنا الإنتاج والبيع أيضا»، لأنه بخلاف الكثيرين في الصناعة، تراهن شتيل في مجال الإنتاج ليس على توريد الأجزاء المنسق زمنياً، بل تستفيد من مستودع مليء. ويمكن أن يصبح الاعتماد على مستودعات أكبر في درجات الإنتاج المختلفة توجهاً إضافياً بعد الوباء. «كلما كانت سلسلة التوريد معقدة، تفاقم خطر التوقف، وهذا الخطر يمكن للشركات أن تقلل منه باعتماد مخزون المستودعات».
حين يُهزم نقيض العولمة
حتى الآن تتفادى كثير من الشركات الخزن في المستودعات الكبيرة بسبب التكاليف. وشركة داكسار لها أكثر من 170 مستودعاً على مستوى العالم. «تجميع البضاعة هو حقل مستقبلي. ولضمان استقرار سلاسل التوريد تحتاج الشركات مجدداً إلى مجال أكبر»، كما يؤكد فروشماير. وحتى خبير الاقتصاد إيغر لا يعتقد أنه سيحصل توجه راديكالي للتخلي عن العولمة، لأنّ تقليص سلاسل التوريد يتضمن مساوئ. ولا تزال الشركات منشغلة بتدبير الأزمة، لكن التوقف في الإنتاج تسبب في تكاليف إضافية، واعتماد مستودعات سيضغط على الميزانية ومن ثم لن يحصل تحول حقيقي ويتبخر أمل الكثير من أصدقاء البيئة في الحصول على سلاسل توريد مستدامة ومعقولة.
copy short url   نسخ
06/06/2020
1698