+ A
A -
كتب محمد حربي
قالوا هيكلة .. قالوا غربلة.. قالوا العصا السحرية تعيد الحياة للجامعة العربية، وتعطي قبلة الحياة لميثاقها، وتحيي الأمل من جديد في نفوس الشعوب، بعد أن تملكهم اليأس، في موقف قوي، يرتقي إلى مستوى التحديات التي تواجه الأمة، واستمرار النكبات، والأزمات، وتفتت كيان بعض الأعضاء، وضبابية مصير الآخر منها، حتى الحصار، الذي تعرضت له دولة قطر منذ يونيو عام 2017، ويدخل عامه الرابع وقفت أمامه عاجزة.. يا ترى ماذا أصاب بيت العرب، منذ تأسيسه في عام 1945، وعرقل أهدافه من توثيق للصلات بين الأعضاء، وصيانة الاستقلال، والمحافظة على أمن المنطقة، وسلامتها، سياسا، اقتصاديا، ثقافيا، اجتماعيا، وصحيا ؟!.. «الوطن»، طرحت القضية على عدد من الدبلوماسيين، والأكاديميين، وفيما يلي ما قالوا:
يرى السيد علي الجاروش، مدير إدارة الشؤون العربية السابق بالجامعة العربية، أهمية العودة لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومحاولة لم الشمل العربي، لتحقيق الوحدة، على غرار نموذج الولايات المتحدة الأميركية، أو ألمانيا، أو سويسرا، وغيرها.
الانتكاسات السبع
وقال إن الدول العربية الخمس: مصر، وسوريا، والأردن، ولبنان، والعراق، اجتمعت بالإسكندرية من 25 سبتمبر حتى 7 أكتوبر، وخرجوا ببروتوكول للجامعة العربية، تعهدوا بعدم اتباع أحدهم سياسة خارجية تضر بالجامعة أو احد أعضائها، تم توقيع الميثاق في 22 مارس 1945، بواسطة 7 دول عربية مؤسسة، بعد انضمام السعودية واليمن، لافتا للضغوط البريطانية على بعض الدول العربية آنذاك، حتى لا يتضمن الميثاق ما ينص على الاتحاد أو الوحدة بين شعوب العرب.
وأوضح أن العمل العربي اتسم بالمصداقية في بدايته، ومراعاة مصالح الشعوب وترسيخ مفاهيم ذلك، كمعاهدة الدفاع العربي المشترك يوم 13 أبريل عام 1950، وترجمته حروب 1948، و1956، 1967، 1973.
وأشار إلى الانتكاسات السبع التي عرقلت العمل العربي المشترك، بدأت بوفاة الرئيس جمال عبدالناصر 28 سبتمبر 1970، معاهدة كامب ديفيد 17 سبتمبر 1978، ثم توقيع معاهدة السلام المصرية مع الكيان الصهيوني 26 مارس 1979، وتجميد عضوية مصر بقمة بغداد نهاية مارس بنفس العام، ونقل المقر لتونس نهاية 1979، الحرب العراقية الايرانية لثماني سنوات، وتوقفت بقرار أممي عام 1988، بعدها غزو العراق للكويت 2 أغسطس 1990، والانتكاسة الأخيرة تدمير العراق واحتلاله في عام 2003.
وأوضح أن الجامعة العربية مرآة للدول نفسها، كما تنعكس عليها كاريزما الأمين العام، فيكون لها حضورها، وموقفها، بغض النظر عن حالة ضعف أو تشرذم الأعضاء، مشيرا إلى أبرز مثال على ذلك ما نشاهده اليوم، حيث تناقش بعض القضايا العربية على موائد غير عربية، وبدون أي مشاركات لا من الأمانة العامة، ولا الدول الأعضاء بالجامعة، وربما حتى دون تمثيل للدولة صاحبة القضية، كالحال في سوريا، وتدير ملفها أميركا، روسيا، وتركيا، وإيران، ومن خلف الكواليس الكيان الصهيوني الإسرائيلي.
محاصصة لا كفاءات
ويتفق الدكتور رفعت الفاعوري، أستاذ الإدارة العامة بجامعة اليرموك الأردنية ومدير المنظمة العربية للتنمية الإدارية السابق، مع رؤية تراجع دور الجامعة العربية، وعدم تفاعلها مع أعضائها، ومحيطها الإقليمي والدولي، وخاصه في الثلاثة عقود الاخيرة، لأسباب أهمها: جمود الميثاق منذ نشأته 1945، دون أن يطرأ عليه أي تعديل أو تطوير، تتماشى ومستجدات العصر الحديث، وظهور كيانات عربيه رديفة كالاتحاد العربي، والمغاربي. ومجلس التعاون الخليجي، ثم تسيس قرارات الجامعة، وأولويات الأمور السياسية على حساب الاقتصادية والاجتماعية، فأفسدت السياسة كافة المناحي الأخرى، على عكس الاتحاد الاوروبي، جعلت الأولوية للأمور الاقتصادية والاجتماعية قبل السياسية، ثم سياسات الاستقطاب وتغليب العلاقات مع الدول الخارجية على حساب العلاقات العربية – العربية، وأخيرا تواضع كفاءات منتسبي الجامعة العربيه للتعيين وفقا لقاعدة المحاصصة، وليس على مبدأ الكفاءات والمنافسة، مما انعكس على الامكانات الفنية، وتراجع أداء الأمانة العامة للجامعة العربية.
الوحدة والميثاق
من جانبه، أكد الدكتور عبدالله الأشعل، أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأميركية بالقاهرة ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق والمرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية بمصر، أن حال الجامعة العربية اختلف اليوم عن الأمس، وتبدلت أحوالها، ونقطة التحول التاريخية بعد 1978، إثر اتفاقية كامب ديفيد، وتداعياتها المعروفة، وقرارات التجميد، رغم أنه لا يوجد هذا النص ضمن ديباجة الميثاق الأساسية، وفقا لمادته الثامنة عشر.
وأوضح أن الجامعة العربية دخلت العصر الثاني من العمل العربي المشترك، مع هيمنة بعض الدول الخليجية على قرار بيت العرب، وأن المشكلة لا تكمن بالميثاق وتعديله، ولا حتى الإجماع أو الأغلبية والنسبية في القرارات، بل في تهاوي النظام العربي نفسه.
وأشار لدور القوى العظمى في تمزيق العرب، وضياع الحلم العربي، منذ لحظة تأسيس بيت العرب، لأنه لم يقم على هدف تحقيق الوحدة، التي كانت ستتحقق بين الشعوب ما لم تتأسس الجامعة، مما يعني أنها كانت بمثابة حجر عثرة في طريق الحلم الوحدوي، لأنه تم توظيف الجامعة لمصلحة السياسات الوطنية لكل دولة، لافتا إلى أننا اليوم بحاجة ماسة لمراجعة شاملة لكل ما حدث منذ 1945، ولليوم.
نكوص وانحياز
فيما يرى الدكتور بسمان الطائي، الأستاذ بجامعة تورونتو بكندا وخبير الاستراتيجيات والجودة بالمنظمة العربية للتنمية الادارية سابقا، أن تقييم واقع جامعة الدول العربية يحتاج العودة لقراءة الأهداف والأدوار التي نشأت لأجلها، كما ورد بالميثاق ألتأسيسي: تسعى جامعة الدول العربية لتوثيق الصلات بين الدول العربية وصيانة استقلالها والمحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية، لافتا إلى أنه من الوهلة الأولى نجد نكوصا جليا عن مسارات أهدافها الاساسية وبالتالي باتت تعمل احيانا باسلوب يشوبه الانحياز، لطلب ود الممول لها أو من يدير مفاصلها المحورية.
وأوضح أن إشكالية الجامعة تكمن في طبيعة واليات اتخاذ القرارت فيها وخضوعها لإرادات حكومية متقاطعة برؤاها ومصالحها ومحاورها، ومن ثم الحاجة لاعادة تقييم شاملة، والاعتراف بكل شفافية أن الجامعة لم تعد قادرة للقيام بأي دور سياسي، للحد الذي تبدو فيه أحيانا وكأنها جسم غريب بالمنطقة العربية، لافتا إلى أن ذلك لا يعني استئصالها، لأنها تظل تحمل حلم اجيال تطلعت لكيان عربي متماسك قوي وفعال، وتحقق الكثير من إيجابيات العمل المشترك والتعاون البناء.
وأشار إلى أن الحل يكون بإعادة هيكلة جذرية لكيانات الجامعة العربية، وصياغة أهدافها لتكون بمضامين اقتصادية وثقافية بحتة قبل الأمور السياسية.
حصار قطر
من جانبه، قال الدكتور محمد هنيد، الأستاذ بجامعة السوربون في فرنسا، والمتحدث الأسبق باسم الرئاسة التونسية، إن الجامعة العربية كمنظمة رسمية، لم يتبق منها الشيء الكثير، باستثناء المقر، والهيكل الخارجي، ولكن على مستوى المضمون، فإنها تقريبا قد انتهت، ولم يعد لها أي جدوى، بدليل موقفها إزاء الأزمات التي تمر بالمنطقة وواجهتها الأمة العربية، سواء في سوريا، أو اليمن، العراق، ولبنان، أو حتى ليبيا، وأماكن أخرى كثيرة ببلاد العرب، بما فيها الأزمة الخليجية والحصار المفروض على دولة قطر منذ شهر يونيو 2017، وحتى الآن.
وأوضح أن هذه المنظمة تكاد تكون مختطفة من قبل بعض الأنظمة الرسمية العربية، بعضها يسيطر إداريا، والآخر ماليا، مما أصاب بيت العرب بحالة من الشلل منذ سنوات، وكانت حركتها بطيئة إن لم تكن معدومة في كثير من المواقف، اللهم تجاه من تريده الجبهة المحركة لقرارها، مما جعلها أقرب إلى قوقعة فارغة لا تؤدي دورها الذي ينبغي لها دون اعتبار لمصالح الشعوب.
وأشار إلى أن الشارع العربي أصابه الإحباط وفقد الأمل في موقف قوي من الجامعة العربية، واعتبارها اخفقت إخفاقا كبيرا في القيام بالوظيفة المنوطة بها، لافتا إلى أن الأزمات الأخيرة، جعلت ورقة التوت تسقط عن المنظمات الإقليمية عموما، وتكشف هشاشتها، وعدم قدرتها في الدفاع عن أعضائها، والحفاظ على أمنها، وتحقيق الاستقرار لشعوبها.
الموت السريري
من جانبه، يعتقد الدكتور الحواس تقية، الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، أن الجامعة العربية تمر بحالة ضعف غير مسبوق، فلا تأثير لها في قضايا عربية محورية، لا الحرب في اليمن، ولا في الحصار المفروض على قطر، ولا للتوسع الإسرائيلي المدعوم أميركيا بالأراضي الفلسطينية.
وأكد أن الجامعة باتت سببا في تأزيم الأوضاع كما يفعل أمينها العام أبو الغيط وتغريده منفردا، بقرارات لا تمثل إجماعا عربيا، خاصة التي هي محل خلاف، كاتخاذه قرار للترحيب بوفد النظام السوري بالأمم المتحدة، ودون اعتبار للخلاف بين أعضاء جامعة الدول العربية على شرعية النظام السوري، وأعماله العسكرية بإخماد الثورة السورية، ودون اعتبار لقرار الجامعة بسحب مقعد سوريا من النظام السوري بسبب أعماله الوحشية بحق الشعب السوري.
وقال إن الجامعة إما غائبة أو يسهم أعضاؤها بتأجيج الصراع أو انحيازها، كما في الصراع الليبي، وتنديد تقارير لخبراء أممين بالدور الإماراتي المؤجج للحرب في ليبيا، ودعم فصائل مسلحة متمردة على الحكومية الشرعية الممثلة بالجامعة العربية، ومع ذلك فإن الأمانة العامة للجامعة لا تندد بالدور الإماراتي، ولا تتحرك لتصحيحه، كما أنه لا ذكر لجامعة الدول العربية، في الملف السوري، فضلا عن الفشل والضعف بالملف الفلسطيني، حيث اتفقت الإدارتان الأميركية والإسرائيلية على فرض حل أحادي بالقوة على الفلسطينيين، وجعل القدس عاصمة إسرائيل، وضم نحو 30 بالمائة من الضفة الغربية بما فيها غور الأردن، الإحاطة الكاملة بالضفة لتصير كنتونا أو غيتو يحرم السلطة الفلسطينية من التواصل الجغرافي مع العالم الخارجي.
وأوضح أن عوامل عديدة تجعل الجامعة العربية في منتهى الضعف، ومرشحة للتفاقم مستقبلا، ويجعلها في حالة موت سريري، وأبرزها الاختلاف بين أعضائها.
تشرذم عربي
ويرى الدكتور أحمد قاسم حسين، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مدير تحرير دورية سياسات عربية، أن معظم المنظمات الدولية تعاني من أزمات معقدة تتعلق بآليات عملها وقدرتها وفعاليتها، وأن الأصوات تعالت مطلع تسعينيات القرن الماضي، لضرورة إجراء اصلاحات بتلك المنظمات الدولية كالامم المتحدة والمؤسسات المتفرعة عنها، والمنظمات الاقليمية كجامعة الدول العربية، التي تأسست قبل الامم المتحدة عام 1945، باعتبارها منظمات نشأت في حقبة الحرب الباردة وعكست طبيعة الصراع الدولي بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية من خلال ميثاقها وقراراتها وبنيتها المؤسساتية، ولعل مجلس الأمن بتركيبته خير دليل على ذلك.
وأوضح أن الجامعة العربية عكست النظام الاقليمي العربي الذي ارتسمت ملامحه بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت مصر وسوريا والعراق الركائز الاساسية فيه، وكانت القضية الفلسطينية والتهديد الامني والعسكري الإسرائيلي هما المحرك الأساس للعمل العربي المشترك إضافة إلى مجموعة من الازمات التي مرت بها المنطقة العربية، وكان للجامعة دور فاعل في الأزمة العراقية الكوتيتة عام 1961، والحرب الاهلية اللبنانية، ومسارات القضية الفلسطينية من تأسيس منظمة التحرير، والخلاف الاردني الفلسطيني في سبعينات القرن الماضي، وكذلك قرارات الجامعة الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، إضافة إلى دورها في تعزيز مكاتب مقاطعة الكيان الإسرائيلي في الدول العربية.
وأشار إلى أنه مع التحولات وخروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بتوقيع معاهدة كامب ديفيد بدأ الشرخ يزداد في العمل العربي المشترك، حتى وصلنا لما عليه الآن من تشرذم عربي وانهيار كامل لدول عربية وبات دور الجامعة هزليا، وغير قادرة على المضي قدما في دفع العمل العربي المشترك، وساعد على ذلك سياسة المحارور، والاختلاف بين الدول.
وأضاف: الجامعة يتم استحضارها لتمرير بعض المشاريع والقرارات لتهدئة الرأي العام العربي خاصة عند اندلاع انتفاضة الاقصى سبتمبر 2000، ولكن دون اتخاذ قرارات تلزم بعض الدول العربية مقاطعة إسرائيل، حتى طرح مشروع سلام من خلال مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بقمة بيروت، فيما باتت تعرف بالمبادرة العربية للسلام، كآخر مشروع عربي مشترك لتخرج كافة مؤسسات الجامعة من دائرة الفعل، ويكون الاستقطاب في المنطقة، خاصة عقب ثورات الربيع العربي ولتصبح مجرد غطاء يتم استحضاره عند الحاجة، ولعل الموقف من صفقة القرن يحتاج وقفة.
copy short url   نسخ
06/06/2020
1295