+ A
A -
كمال عبد اللطيف أكاديمي وكاتب مغربي
تجري في بلدان كثيرة تدابير وإجراءات تتعلق بمسلسل الرفع المتدرج للحجر الصحي، والعودة إلى نظام الحياة المعتاد. لكن ماذا حصل في أشهر الحجر السياسي والصحي في مجتمعاتنا؟ قبل الإجابة، ثمة الإشارة إلى أن فيروس كورونا المستجد حل بيننا بفعل خطأ ما أو بإرادة فاعل، فلا أحد يعرف كيف تمت الأمور، على الرغم من كل ما قيل في الأسباب والسياقات، لا ندري ماذا وقع بالضبط؟ لقد حَلَّ «كوفيد – 19» بمجتمعات عديدة، وشمل، بدرجات متفاوتة في القوة وفي الزمان، مختلف القارات. ونشر في العالم أجمع رعبا كثيرا، الأمر الذي أدّى إلى بلورة جملة من الخيارات والتدابير السياسية والصحية، قصد محاصرته، والحدّ من درجات تفشيه وفتكه بآلاف الضحايا.
مَرَّ على مسلسل ظهور ال?يروس وانتشاره في العالم، أزيد من خمسة أشهر، ومَرَّ على خيار الحجر الصحي في البلدان المتضرِّرة منه أكثر من ثلاثة أشهر. ولم يحصل تقدُّم في موضوعي اللقاح والعلاج، وكذا في مسألة ضبط بنية «كوفيد – 19» وطبيعته. ازداد الغموض غموضا، وتبارى الإعلام في الاقتراب من الحالات المصابة في المستشفيات والمراكز الطبية، كما تبارى في رسم الخرائط والجداول التي تُعَيِّن حدود انتشاره وتطوُّره. ونظراً إلى طبيعة الفيروس وسرعة انتشاره وما يطرأ عليه من تحوّلات، تحولت منصَّات التواصل الاجتماعي إلى فضاء لنشر تدوينات ومواقف، تعبر فيها عن صور انفعالها وتفاعلها مع الوافد الجديد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.
انتعش عمل الفضاءات الافتراضية زمن الحجر، وطوَّرت أشكال أدائها لتملأ حياة المحجورين بحكايات وأحاديث ورسوم وأفلام، وجملة من المعطيات المختلطة عن الداء والدواء. تَمَّ ذلك بجوار المواكبة المتواصلة التي تقدّمها القنوات التلفزيونية عن الوباء وصيروة تطوره وعدد ضحاياه، فأصبحنا أمام الوباء كما تشخِّصه المختبرات، وكما تَتِمُّ معاينته في المصابين داخل المراكز الصحية والمستشفيات، وأمام الوباء في الوسائط الاجتماعية، وقد اتخذ أشكالاً ومظاهر أخرى، جمعت بين التعبيرات الخائفة والساخرة، إضافة إلى الابتهالات والأدعية، وما يصاحب ذلك من أحاسيس متناقضة وأخرى مرعبة.
التزم الناس بالخيار الوقائي الذي انخرطت فيه أغلب المجتمعات، خيار الحجْر الصحي، وذلك على الرغم من صعوبته، وخصوصا في الأوساط ذات الدخل المحدود والبيوت الصغيرة. وينبغي أن يُنتبه هنا إلى أن هذا الخيار لا يُعَدُّ سهلاً، ذلك أن توقيف آلة الحركة والإنتاج، وتوقيف المدرسة والجامعة والمقاولة والعمل، ثم إغلاق المقاهي والمطاعم ومراكز الرياضة والترويض.. إلخ. لا يُعَدُّ أمراً بسيطاً، بحكم ارتباطه بمنظومة الإنتاج والعمل، منظومة الحياة المألوفة داخل المجتمع، أي ارتباطه بنماذج التنمية القائمة في المجتمعات المعاصرة. وأن يجري اليوم العمل وبناء على تدابير الحجر، بتعطيل كل ما ذكر أعلاه، ومطالبة الناس بالإقامة المتواصلة في بيوتهم، مخافة أن يساهم خروجهم من بيوتهم في إمكانية إصابتهم بالوباء القاتل، فإن في هذا الأمر تضييقا كثيرا على الحريات.
ازدادت هذه المسألة خطورة عندما أصبحنا نعرف أن الوباء يصيب ولا يصيب، أي أنه، كما ورد في تقارير وأبحاث طبية كثيرة، يُقاوم من بعضهم، بفضل آليات المناعة الذاتية، ولا يقاوم في حالات أخرى.. لكن من تساءل، بهدوء ووضوح، عن آثار الحجر الصحي على حياة الناس، بمختلف فئاتهم وأعمارهم وأمزجتهم؟ من تساءل قبل قرارات الحجر، عن الآثار المتوقعة للحجرعلى نفسيات الأطفال والمراهقين الذين توقفت عمليات خروجهم وتمدرسهم، وأصبحوا ذات يوم وجهاً لوجه أمام بعضهم بعضا، وأمام ما تحمله لهم وسائط الاتصال من حكايات وأحاديث وصور، يصعب عليهم معرفة علاقتها بالواقع الجاري بصور أخرى أمامهم؟ وماذا يفعل الشيوخ، وقد أصبحوا أمام وضعهم الصحي العام، بمختلف العلل التي تثقل كواهلهم وتنغص حياتهم، وقد أضيفت إليها اليوم الأوضاع المترتبة عن الوافد الجديد، وأخباره المفزعة والقاتلة؟ يتحدث الجميع اليوم عما بعد الحجْر، مثلما تحدثوا قبل ذلك عما بعد كورونا، والفارق بين الأمرين أن الإصابات بكورونا لم تتوقف، وأن الجماعات العلمية ما تزال تجهل كثيراً من أعراضها وما يطرأ عليها من تحوُّلات وطفرات، كما تجهل كيفية بروزها وانتقالها، وكذا كيفيات تفشّيها بدرجات متفاوتة في العالم.
{ عن (العربي الجديد)
copy short url   نسخ
05/06/2020
935