+ A
A -
الدوحة- الوطن
غالبًا ما يكون الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد معرضين بشدة لخطر نقص التغذية الحاد، والاختلالات الأيضية ومشاكل الجهاز الهضمي بسبب مشكلات وأنماط التغذية غير المعتادة. ويعد التدخل الغذائي أمرًا بالغ الأهمية لتجنب حدوث تلفيات المخ ومشكلات النمو والتفكير اللاحقة وبالتالي تسهيل الوظائف الطبيعية للإنسان.
تناول الدكتور وليد قرنفلة، مدير البحوث والسياسات في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية «ويش»، مبادرة مؤسسة قطر، هذا الموضوع في كتابه حديث النشر بعنوان «التدخل الغذائي الخاص وتأثيره على تحسين أعراض اضطراب طيف التوحد»، والذي شاركه في كتابته وتأليفه الدكتور محمد عيسى، أستاذ التغذية المساعد بجامعة السلطان قابوس، مسقط، سلطنة عُمان.
بدأ العمل على هذا الكتاب من خلال التعاون بين مؤتمر «ويش» وجامعة السلطان قابوس في عام 2017. وقد أشاد مؤتمر «ويش» بكتاب الدكتور قرنفلة باعتباره مساهمة قيّمة لحملة قطر وتوجهاتها الخاصة بتحسين قطاع الصحة العامة والريادة في مجال الطب الدقيق. كما أنه يمثل استمرارًا لأعمال المؤتمر الخاصة برفع مستوى الوعي العام حول الطب الدقيق والتوحد.
ويقول الدكتور وليد قرنفلة انه استوحى فكرة الكتاب لأول مرة في نوفمبر 2017 «أثناء حضوري مؤتمر في سلطنة عُمان. وناقشت الفكرة مع زميلي الدكتور محمد عيسى، خاصةً أننا نتشارك اهتمامات بحثية مماثلة ولمعرفتنا أن الأطفال المصابين بطيف التوحد هم عرضة في أغلب الوقت للمشكلات السابق ذكرها من نقص التغذية، والاختلالات الأيضية ومشاكل الهضم وغيرها.
وتماشيًا مع الاتفاق التعاوني القائم بين مؤتمر «ويش» وجامعة السلطان قابوس، وكذلك استكمالاً لأعمال «ويش» الخاصة بأبحاث طيف التوحد والطب الدقيق، عقدنا العزم على البدء في تنفيذ مشروع الكتاب. وقد استغرقت تلك المهمة حوالي عامين ليكتمل الكتاب أخيرًا في ديسمبر 2019. وقد تم نشره أولًا عبر الإنترنت في منتصف شهر فبراير 2020، ثم تم إطلاق النسخة المطبوعة في نهاية شهر مارس 2020. وبالطبع، لدينا مشروعات ومطبوعات أخرى مشتركة».
وأشار إلى أنه تم إنجاز هذا الكتاب كثمرة العمل ضمن خطة شاملة ومجهودات العديد من الهيئات العلمية والتعليمية على المستوى المحلي، والإقليمي والدولي. وتم إنجاز مشروع الكتاب بالشراكة مع جامعة السلطان قابوس في مسقط، سلطنة عُمان، وتضمن مدخلات واسعة من برنامج قطر للريادة في العلوم، التابع للصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، وسدرة للطب، وجامعة حمد بن خليفة، ومؤسسة حمد الطبية، وجامعة قطر.
وقال الدكتور قرنفلة إن الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية الأساسية الموجودة في الطعام تعتبر ضرورية للنمو السليم لدماغ الطفل. ويمكن أن يؤثر أي نقص في هذه العناصر الغذائية على إنتاج الناقلات العصبية (إشارات الجهاز العصبي) وبالتالي يؤثر سلبًا على العمليات البصرية والمعرفية الطبيعية (أي وظيفة الدماغ). ويعد التدخل الغذائي أمرًا بالغ الأهمية للوقاية من تلف الدماغ والمشكلات الأخرى سالفة الذكر.
وأوضح ان الدراسات أظهرت وجود مستويات منخفضة جدًا من العناصر الغذائية في عينات الدم والبول والشعر والأنسجة الأخرى لدى الأطفال المصابين بالتوحد. ويحتوي الغذاء ومركباته النباتية النشطة بيولوجيًا على مكونات مستخدمة في الوقاية من الأمراض المختلفة وعلاجها و/‏أو إدارتها، بما في ذلك الاضطرابات العصبية. وقد أصبحت هذه الممارسات الطبية أكثر شيوعًا في مجتمعنا مؤخرًا، وهذا القبول الواسع يؤكد على اتباع نهج صحي تكاملي يعالج الجسم والعقل والروح. وبالنسبة لبعض الأفراد، يمكن ملاحظة تحسن في أعراضهم ويمكن قياسه من خلال التدخل الغذائي.
اختلالات معوية
وأوضح الدكتور قرنفلة أن مصابي التوحد يعانون من اختلالات معوية، وقد تم اقتراح وتنفيذ مناهج غذائية مختلفة بهدف تحسين أعراضهم وحالاتهم الصحية. ويشمل التدخل الغذائي استبعاد بعض المكونات الغذائية، على سبيل المثال قد يُنصح بنظام غذائي خالٍ من الكازين/‏الغلوتين، ونظام الكيتو، والنظام الغذائي الذي يتضمن مجموعة محددة من الكربوهيدرات، والنظام الغذائي الخالي من الخميرة، والنظام الغذائي المنخفض الأكسالات، ذلك بالإضافة إلى تقييد مسببات الحساسية الغذائية. وعلى الجانب الآخر قد يكون استخدام المكملات الغذائية من (الأحماض الدهنية والفيتامينات والمعادن)، والبروبيوتك والمواد الكيميائية النباتية مفيدًا. ويعتبر فهم البيان الأيضي (ملف التمثيل الغذائي) للفرد كجزء من التشخيص مفيدًا للغاية. إذا تم الكشف عن اضطرابات في عملية التمثيل الغذائي، يمكن استخدام هذه المعلومات لتحديد العلاج الأكثر دقة. وتشير الأبحاث الأولية، على سبيل المثال إلى أن إضافة أو استبعاد بعض الأغذية أو المكملات الغذائية قد يكون مفيدًا لبعض هؤلاء الأطفال. لذا فإن الفرضية التي يستند إليها الكتاب بالاعتماد على مجموعة واسعة من الأبحاث والدراسات تفيد بأنه من أجل التوصل لنتائج ناجحة، يجب أن يتم تفصيل نظام غذائي خاص وفقًا لاحتياجات وظروف كل حالة على حدة. وأوضح أن هناك عوامل متنوعة في مرحلة ما قبل الولادة قد تزيد من احتمالات إصابة الطفل بالتوحد. وبالتأكيد، النظام الغذائي والتغذية بصورة عامة للأمهات الحوامل قد يزيد من خطر إصابة الجنين بالتوحد (حيث تؤثر على نمو الدماغ). على سبيل المثال، يمكن لسوء التغذية ونقص العناصر الغذائية الأساسية مثل حمض الفوليك والأغذية الملوثة (المركبات السامة العصبية) والأدوية والصحة النفسية للأم والعوامل البيئية (التعرض لتلوث الهواء والتعرض للمواد الكيميائية والبلاستيك والمذيبات والمعادن الخطرة) جميعها أن تساهم بشكل أساسي في زيادة احتمالية إصابة الجنين بالتوحد. وحول خططه وآماله فيما ما يتعلق باضطراب طيف التوحد في قطر قال: إحدى الخطط التي أنوي تنفيذها في المستقبل القريب هي تبسيط المادة العلمية لهذا الكتاب ووضعها في صورة كتاب باللغة العربية سهل القراءة بحيث يمكن للعائلات التي لديها طفل مصاب بالتوحد استخدامه كدليل سريع، يسهل عليهم إدارة الأعراض وأنماط النوم بشكل أفضل، وكذلك للتعرف على أفضل التوصيات الغذائية لتحقيق ذلك وتطبيقها بسهولة. أما بالنسبة لما اتمناه لمستقبل طيف التوحد في قطر، فهو أن تتمكن عائلات مصابي التوحد من التعرف بشكل أفضل على أنجح الممارسات العلاجية لإدارة أعراض حالة التوحد، ولإدراك أنه بالرغم من عدم وجود علاج نهائي مثبت لطيف التوحد، إلا أنه من الممكن إدارة الحالات بنسبة كبيرة بل والسيطرة على أعراض الحالات، وهو ما سيجعل المهمة أكثر سهولة ويسرًا لكافة أفراد الأسرة إلى حد كبير، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطبيق منهج علاجي شامل يتضمن اتباع نظام تعليمي خاص، والعلاج السلوكي، وعلاجات تطوير الذات بالإضافة إلى التدخل الغذائي، إذا كان موصى به للحالة.
copy short url   نسخ
04/06/2020
1226