+ A
A -
عادل سليمان كاتب وباحث أكاديمي مصري
جاءت جيوش عربية إلى الأراضي الفلسطينية، ولكنها مُنيت بهزيمة مروّعة على يد العصابات الصهيونية. وبعد كَرّ وفرّ، انتهى الأمر بعقد اتفاقيات الهدنة بين كل من الدول العربية الرئيسية التي شاركت في الحرب، مصر والأردن وسوريا، بالإضافة إلى لبنان باعتباره دولة جوار، ودولة إسرائيل، وكان ذلك أول اعتراف ضمني من دول الطوق العربية بوجود كيان جديد على أرض فلسطين بمسمّى دولة إسرائيل، على حدودٍ سمّيت خطوط الهدنة، تجاوزت فيها إسرائيل المساحة التي حدّدها لها قرار التقسيم.
هذا عن الحرب، أما الشعب الفلسطيني، خصوصاً قرابة الستمائة وخمسين ألفاً الذين حملوا متاعهم، ونزحوا عن قراهم وبلداتهم، فيحتفظون بمفاتيح دورهم، في انتظار عودتهم، فقد تحولوا إلى «لاجئين» في عدد من دول الجوار، في مخيمات، وأنشأت لهم الأمم المتحدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والتي ما زالت قائمة. أما من بقي من الفلسطينيين على أرضهم، في المناطق التي قامت عليها دولة إسرائيل، فقد تحوّلوا مواطنين في تلك الدولة، وحملوا لقب عرب 48، ومن بقي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، انتهى بهم الأمر إلى الوقوع تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد هزيمة يونيو 1967.
تلك هي نكبة فلسطين التي استمرت على مدى الأعوام الـ 72 الماضية، أرض تقطعت، وشعب تمزّق، ومقدّرات أُهدرت، ومقدّسات تدنست. وعلى الرغم من ذلك، بقيت الهوية الفلسطينية وكلمة فلسطين تمثلان هاجساً لدولة الكيان الإسرائيلي وللمشروع الصهيوني. وللتخلص من هاجس كلمة فلسطين والهوية الفلسطينية، خرج علينا المشروع الصهيو أميركي، بمشروع جديد قد يُنهي ذلك الهاجس، وهو مشروع تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، بحيث لا يتبقى، لا أرض ولا شعب ولا هوية. وتم وضع وصف برّاق له، صفقة القرن. وهو يرتكز على ثلاث ركائز أساسية: الأرض، بحيث لا يكون هناك مجال لوجود أرض متصلة، يمكن أن تُشكل وطناً للشعب الفلسطيني، بداية بانتزاع جوهر الأرض الفلسطينية، وهي القدس، والتي أعلنت إسرائيل فرض السيادة عليها، وإعلانها موحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، واعتراف ترامب بها ونقل السفارة الأميركية لها، وعلى الفلسطينيين أن يبحثوا لنفسهم عن مكان آخر، خارج القدس لإقامة عاصمة لهم. ثم يأتي المشروع الإسرائيلي بإعلان السيادة على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت، بامتداد حدود الضفة الغربية مع الأردن، وعلى مناطق المستوطنات في الضفة الغربية، وهو ما يعزل الضفة تماماً، ويحوّلها لجزيرة منفصلة، ومحاصرة من جميع الاتجاهات، ويبقى قطاع غزة محاصراً، ومعزولاً عن الضفة الغربية. والأهم أنه لا يحق لتلك المناطق السيطرة على مجالها الجوي ومياهها الإقليمية والمعابر البرية. الركيزة الثانية، الشعب، فلا مجال للحديث عن اللاجئين، أو حق العودة. والسعي إلى تصفية وكالة غوث اللاجئين. وهكذا يتم التخلص من أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، ويبقى سكان الضفة الغربية في كانتونات منعزلة، محاطة بالمستوطنات اليهودية، ولا مجال لهم سوى التعامل مع تلك المستوطنات، أو مع داخل الخط الأخضر في إسرائيل. وهكذا تتآكل الهوية الفلسطينية بينما يبقى الفلسطينيون في قطاع غزة محاصرين تحت رحمة إسرائيل، والتنسيق الأمني في معبر رفح وكرم أبو سالم.
الركيزة الثالثة، الهوية الفلسطينية. تعتمد الخطة على تمزيق الروابط الفلسطينية، ما بين أهل الضفة والقطاع واللاجئين وفلسطينيي الداخل، فإذا تمزّقت الروابط، ضاعت الهوية الفلسطينية.
على الرغم من ذلك كله ستبقى فلسطين، وستبقى الهوية الفلسطينية، وستبقى الأرض الفلسطينية، الهواجس التي تقلق مضاجع العدو الإسرائيلي، فإذا كان حجرٌ يلقيه صبيٌّ فلسطيني، وهو يرتدي كوفيته، على مستوطن صهيوني، يثير الذعر في نفوس من يدّعون أنهم يملكون أقوى جيوش المنطقة، فسيبقى الأمل حياً في وجدان ذلك الشعب، وهو يرفع شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وحق العودة، حتى لو بدا ذلك بعيد المنال.. فلتبقى كلمة فلسطين حية، ولتبقى الهوية الفلسطينية، ولو خارج أرض فلسطين.
copy short url   نسخ
04/06/2020
436