+ A
A -
منذ قرابة قرن تقريباً انتشرت جائحة أطلق عليها اسم «جائحة الإنفلونزا الروسية العظيمة» وقد حصدت أرواح حوالي مليون شخص، كان من بينهم وريث الملكة فيكتوريا، وقد اتهم فيروس الإنفلونزا آنذاك بأنه سبب الجائحة، لكن المثير للاهتمام أن العلماء يعتقدون أن فيروس كورونا هو السبب الحقيقي وراء جائحة عام 1890.
في العام 2005، وقبل ظهور فيروس كورونا المستجد، نشر علماء بلجيكيون دراسة تبرهن على أن نوعاً من الفيروسات التاجية «كورونا» كانت سبب «جائحة الإنفلونزا الروسية».. واليوم بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، عادت هذه الدراسة لتستحوذ على اهتمام العلماء والأطباء حول العالم.
إليكم التفاصيل كما وردت في صحيفة The Guardian البريطانية.
قد يكون فيروس كورونا سبب جائحة الإنفلونزا الروسية
يعتقد بعض العلماء البلجيكيين أن الجائحة التي انتشرت في عام 1890 وأطلق عليها اسم جائحة الإنفلونزا الروسية العظيمة، لم تتسبب بها الإنفلونزا كما كان يُعتقد آنذاك، بل كان سببها: فيروس كورونا.
ووفقاً للدكتور ديفيد ماثيوز، خبير الفيروسات التاجية في جامعة بريستول، لمجلة The Observer: «إنه تحليل مقنع للغاية. استخدم العلماء بحثاً متطوراً ومتقدماً جداً، وتستحق مزاعمهم أن تؤخذ على محمل الجد».
قادت هذه الدراسة لين فيجغن، عالمة الأحياء البلجيكية، ونشرت نتائج فريقها في مجلة Journal of Virology قبل عدة سنوات.
يشير عملهم، الذي ظهر إلى الأضواء من جديد مع ظهور فيروس كورونا، إلى أن الفيروس التاجي المرتبط بالتفشي الذي حدث عام 1890 قد انتقل من الأبقار إلى البشر قبل اندلاعه في جميع أنحاء العالم. وفي حالة فيروس كورونا، يُعتقد أن الخفافيش كانت مصدر الفيروس.
دلائل تدعم هذه النظرية
تستند حجة فيجغن إلى التطابق الجيني الوثيق بين فيروس كورونا البشري OC43، وهو سبب متكرر لنزلات البرد، وفيروس كورونا آخر يصيب الأبقار.
من خلال دراسة معدلات التحور في الفيروسين، خلص الباحثون إلى أنهم ربما تشاركوا سلفاً مشتركاً يعود إلى حوالي عام 1890، مما يشير إلى أن الفيروس انتقل من الأبقار إلى البشر في ذلك الوقت.
ويقول الباحثون إن وباء تلك السنة «قد يكون نتيجة انتقال فيروس كورونا بين الأنواع، من الأبقار إلى البشر».
وقد أُشير إلى هذا الارتباط بين الفيروسين في عام 2005، وهو ما جعل الباحثين يبدون نافذي البصيرة بطريقة استثنائية. قال ديفيد ماثيوز: «يعد هذا العمل دقيقاً للغاية».
تشابهات كبيرة في الأعراض
أشار الباحثون إلى أن كثيراً من مرضى وباء عام 1890 عانوا من تلف في الجهاز العصبي المركزي، وهو عرض نادر نسبياً للإنفلونزا ولكنه شائع في جائحة فيروس كورونا المستجد.
ومن السمات البارزة الأخرى لمرض عام 1890 هو ملاحظة أن الرجال كانوا أكثر عرضة للإصابة به من النساء، وهي سمة أخرى مشتركة مع فيروس كورونا المستجد.
في ذلك الوقت، تذكر أحد كبار الأطباء كيف أصيب بالاندهاش عندما وصل صباحاً لمقر عمله لإجراء جراحة في يناير عام 1890، كي يجد أكثر من 1000 مريض، معظمهم من الرجال، يطالبون بالعلاج.
ويعتقد العلماء أن تأثير الفيروس الذي سبب الوباء آنذاك شبيه جداً بتأثير فيروس كورونا اليوم.
ضحايا وباء «1890»
ظهر الوباء لأول مرة في لندن وفي غضون أسابيع اجتاح بريطانيا، ثم غزا أجزاء أخرى من العالم.
ومات الآلاف خلال الأسابيع الأولى فقط من تفشي المرض بسبب أمراض الجهاز التنفسي، وأُقيل رئيس الوزراء، وعرقلت إصابة الموظفين بالمرض حركتي الصناعة والنقل.
وأغلقت المحاكم وساءت حالة العديد من كبار السياسيين المرضية، بما في ذلك اللورد ساليسبوري، رئيس الوزراء، في حين تعطلت عمليات التلغراف والسكك الحديدية عندما أصاب المرض أعداداً كبيرة من العمال.
وكان الضحية الأكثر شهرة هو الأمير ألبرت فيكتور حفيد الملكة فيكتوريا.
فقد أصيب الأمير إيدي، مثلما كان يعرف، بالمرض خلال حفلة صيد أقيمت في ليلة رأس السنة الجديدة، وتوفي في 14 يناير، بعد 5 أيام من الالتهاب الرئوي، عن عمر يناهز 28 عاماً.
كان إيدي الوريث الثاني للعرش وتسببت وفاته في تغيير نظام تسلسل الحكم. إذ تُوج جورج، حفيد الملكة، والأخ الأصغر لألبرت بدلاً منه.
انقسامات طبية بسبب الوباء
في ذلك الوقت لم يكن الأطباء متفقين حول مسببات الجائحة، فقد أثار سبب الوباء انقسامات حقيقية في صفوف الأطباء.
إذ لم يكن العلماء قد أثبتوا بعد وجود ما يسمى بالفيروسات، وهي كائنات صغيرة للغاية لدرجة أنها لم تكن تُرى حتى من خلال المجهر، وكانت نظرية ميازما هي المسيطرة على التفكير الوبائي.
وهي النظرية التي زعمت أن الطقس أو التقلبات في الغلاف الجوي العلوي خلقت هواءً فاسداً سمم البشر.
يقول المؤرخ الطبي مارك هونيسبوم: «ومع ذلك، لم تفلح مثل هذه النظريات في أن تفسر لماذا نجحت المجتمعات المعزولة مثل المنارات والسجون والأديرة، التي من المفترض أنها تعرضت لنفس التأثيرات، في الإفلات من الوباء، أو لماذا بدا أن الإنفلونزا تهاجم المدن والمراكز الحضرية المكتظة بالسكان والقريبة من محطات السكك الحديدية والطرق قبل الانتشار إلى المناطق الريفية».
انحسر التفشي الأوّلي للمرض في عام 1890 بعد ستة أسابيع.
ومع ذلك، عاد المرض في العام التالي وتسبب في ضعف عدد الوفيات تقريباً ثم عاد إلى الظهور في عام 1892.
وقدر مكتب المسجل العام في المملكة المتحدة تعداد القتلى في عام 1890 بـ 27 ألف حالة، وفي عام 1891 بـ 58 ألف حالة، وفي عام 1892 وصل إلى 25 ألف حالة.
تعد تلك الموجات الثانية والثالثة من المرض مدعاة للقلق بالنظر إلى أننا ما زلنا في أول تفشّ لفيروس كورونا.
لذا يعرب الدكتور مارك هونيسبوم عن ضرورة الحذر. إذ يقول: «إن مزاعم أن جائحة«الإنفلونزا الروسية» كان يمكن أن تكون بسبب الفيروسات التاجية لأمرٌ مثير للفضول، حتى وإن كانت مجرد تكهنات».
والمؤكد أن إحدى السمات الرئيسية للجائحة هي الطريقة التي هاجم بها الفيروس الجهاز العصبي، مما أثار حالات ملحوظة من الاكتئاب والذهان والأرق.
يضيف هونيسبوم: كانت هناك انتكاسات متكررة كذلك. ما يشير إلى أن الهجوم الأول للوباء لم يمنح المناعة بالضرورة، وهو أمر يشتبه العلماء في أنه قد يكون صحيحاً أيضاً بالنسبة لفيروس كورونا.
copy short url   نسخ
04/06/2020
2538