+ A
A -
الوطن
تعمل المنظمات في كافة أنحاء العالم بصورة يومية لمحاولة فهم فيروس كورونا الذي أصاب العالم بأكمله ومكافحته، وتتنوع الجهود بين ضمان توفير معدات الفحص ومعدات الحماية الشخصية، وتطوير علاجات ولقاحات محتملة لمكافحة الإصابة بداء «كوفيد - 19» الذي لم يتم اعتماد لقاح رسمي ضده حتى الآن.
ويواصل العلماء دراسة الفيروس وطبيعته، لكن برنامج قطر جينوم، عضو مؤسسة قطر، يتطلع للبحث من منظور مختلف، وهو كيف تؤثر الاختلافات الجينومية في الأجسام المضيفة على طريقة تصرف الفيروس؟
تحت إشراف الأستاذة الدكتورة أسماء آل ثاني رئيس برنامج قطر جينوم، يستثمر قطر جينوم بيانات الجينوم القطري، كما يستمر بجمع البيانات بهدف دعم الجهود المبذولة لتحديد كيفية وأسباب اختلاف تأثير فيروس كورونا على الأشخاص وسكان البلدان المختلفة.
تقول الأستاذة الدكتورة آل ثاني: «في بلدان قليلة محددة، يبدو أن الشباب أكثر عرضة للإصابة بالفيروس ويشكل خطورة على صحتهم، بينما في دول أخرى نجد معدلات الإصابة أعلى بين المسنين. بالتأكيد، عامل السن يلعب دورًا هامًا، ولكن هذه الاختلافات تشير جميعها إلى أهمية البحث والتحقيق في الجينات المختلفة لتلك الشعوب وربطها بطريقة تصرف الفيروس».
استعد قطر جينوم لإجراء هذا النوع من الأبحاث، من خلال تتبع الجينوم (الخريطة الوراثية) لأكثر من 18000 شخص في قطر. وقد تم توسيع نطاق العينات التي يتم جمعها من قبل قطر بيوبنك للبحوث الطبية، عضو مؤسسة قطر، والتي يقوم برنامج قطر جينوم بدراستها لبناء قاعدة بيانات الجينوم للسكان، بحيث تشمل حاليًا المقيمين في قطر، وحيث إن قطر تتمتع بتنوع سكاني ضخم يضم عدد كبير من الجنسيات المختلفة، بما في ذلك الأطفال.
تعتبر معدلات الإصابة بين الأطفال منخفضة، وقد تساعد مراقبة جينوماتهم في فهم السبب. وأوضحت الأستاذة الدكتورة آل ثاني قائلة: «نحن نسعى كذلك للحصول على موافقة المرضى المصابين بالفيروس لتتبع جينوماتهم الوراثية، حيث سيمثل ذلك عنصرًا أساسيًا في تحديد كيفية تحوّر هذا الفيروس بشكل مختلف في المصابين».
بالنسبة لدورها الأكاديمي والبحثي، تحمل الدكتورة آل ثاني درجة الدكتوراه في علم الفيروسات الطبية، وتشغل كذلك منصب أستاذ في علم الفيروسات بجامعة قطر وأستاذ مساعد في علم الفيروسات في «وايل كورنيل للطب - قطر»، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر. وتنطوي أعمالها على دعم الجهود لرفع القدرات محليًا في مواجهة تفشي الفيروس، وبصفتها مديرة مركز البحوث الطبية الحيوية في جامعة قطر، فهي تقود المختبر الوحيد ذو مستوى السلامة البيولوجية الثالثة للأبحاث في قطر، والذي يستخدم حاليًا لمساعدة وزارة الصحة العامة على مواجهة أزمة الوباء.
تلعب بحوث الطلاب كذلك دورًا أساسيًا، حيث تشرف الدكتورة آل ثاني على العديد من طلاب الدكتوراه والماجستير في هذا المجال، بما في ذلك أبحاث جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، بالتعاون مع الدكتور هادي ياسين، عضو هيئة التدريس في مركز البحوث الحيوية الطبية؛ حول القابلية الوراثية للأمراض المعدية.
وأنشأ قطر جينوم أيضًا ومنذ بداية الأزمة منصة جديدة بالتعاون مع شركة تقنيات أكسفورد نانوبور، والتي تمكن من إجراء تحديد تسلسل الجينوم بالكامل في غضون ثماني ساعات فقط. وهذا يسمح بإجراء دراسة أعمق لتتبع العدوى، بالإضافة إلى اكتشاف الطفرات التي قد تتسبب في إصابة بعض الأشخاص بشكل أكثر حدة من مصابين آخرين. وإذا تم اكتشاف طفرات كهذه، سيتمكن علماء قطر جينوم من تنبيه الأطباء على الفور لمراقبة المرضى ذوي القابلية للأعراض الحادة عن كثب.
ونظرًا لأن الاختلافات الجينية بين المجموعات السكانية المختلفة قد تكون مسؤولة عن ارتفاع معدلات الإصابة والمرض وشدته في أجزاء معينة من العالم، يهدف «قطر جينوم» إلى مقارنة نتائج تسلسل الجينوم في قطر مع نتائج البلدان الأخرى، ويجري حاليًا التعاون مع برنامج جينومكس إنجلترا وجامعة روما تور فيرغاتا، إيطاليا، مع رئيسها أستاذ طب الوراثة المعروف عالمياً جيوزيبي نوفيللي، لمعرفة ما إذا كانت النتائج الفيروسية مختلفة وأسباب ذلك.
وفي هذا الصدد، تقول الأستاذة الدكتورة آل ثاني: «نأمل كذلك في إجراء دراسة متقاربة شاملة حول كيفية تأثير الفيروس على المجموعات السكانية المختلفة من منظور الجينوم والذي يعد موضوع بحث طالبة الدكتوراة (ماريا سماتي) في جامعة حمد بن خليفة».
وتعتبر المراقبة الجينية والفيروسية جزءًا مهمًا من استعداد الكوادر الطبية والعلمية عندما يتعلق الأمر بتفشي جائحة فيروسية مثل «كوفيد - 19». وبحسب ما ذكرت الدكتورة آل ثاني، أدى تفشي مرض السارس إلى استثمارات بحثية دولية كبيرة في هذا المجال سنة 2003-2004، ولكن بمجرد أن خفت حدة الوضع للأسف تراجعت تلك الجهود.
وأوضحت: «يعتبر نقص الموظفين والخبراء المؤهلين على مستوى العالم في هذا المجال أحد الأسباب الرئيسية وراء وجود فجوة كبيرة في ما يتعلق بفهم هذا الفيروس واحتمال منع الطفرات، بالإضافة إلى نقص التمويل للبحوث المتعلقة بالأمراض المعدية والأوبئة المستجدة سواء تلك المتعلقة بالبشر أو الحيوانات».
وختمت قائلة: «هناك حاجة ملحة للمزيد من الباحثين وطلاب الدراسات العليا للعمل في هذا المجال والمساهمة في الجهود التي يمكن أن تساعدنا على الاستعداد بشكل أفضل للأوبئة في المستقبل».
copy short url   نسخ
02/06/2020
583