+ A
A -
محمد الجعبري
أكدت سلطانة أفضل، الرئيس التنفيذي لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (ويش)، على ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية خلال الفترة الحالية مع الخوف من الإصابة بفيروس «كورونا»، متوقعة أن تضع الدول ومن ضمنها قطر خططًا وطنية مفصلة لتخطيط وإدارة عملية مواجهة الجائحات في المستقبل.
وطالبت خلال حوار خاص مع «الوطن»، بضرورة تدريب أخصائيي الصحة النفسية على علاجات ما بعد الصدمة، وإدارتها، لزيادة القدرة على تقديم الرعاية اللازمة، لافتة إلى أن التكنولوجيا الرقمية المبتكرة الموجودة في السوق تقدم حلولًا بنّاءة لتلبية الطلب المتزايد على دعم الصحة النفسية ما بعد الوباء، وتساعد أخصائي الرعاية الصحية النفسية في الزيادة الضرورية للطاقة الاستيعابية.
وأكدت الرئيس التنفيذي لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (ويش) أن قطر كانت في طليعة الدول التي عملت على إنشاء مراكز اتصالات للمساعدة في مجال الصحة النفسية، منها جمعية أصدقاء الصحة النفسية «وياك»، والتي عملت على زيادة عدد الموظفين وساعات العمل لتقديم المساعدة، حيث زادت عدد المكالمات الهاتفية كل يوم من الأشخاص الذين يطلبون المساعدة.. وإلى نص الحوار:
} لماذا الصحة النفسية مهمة مثلها مثل الصحة الجسدية في الوقت الحاضر وسط انتشار فيروس كورونا كوفيد 19؟
- يُنظر إلى الصحة النفسية بشكل متزايد على أنها جزء أساسي من الرفاه. لكن الظروف الحالية تجلب بُعدًا جديدًا من المخاطر على الصحة النفسية. مع اضطرار الناس على العيش في عزلةٍ اجتماعية، وحدوث تغييرات جذرية ضرورية في نسق حياتنا اليومية للحفاظ على السلامة العامة، من السهل على الناس أن يشعروا بالإرهاق بسبب فقدان شبكات التواصل المألوفة، أو الروتين اليومي، أو القلق بشأن الإصابة بالفيروس. على الرغم من أنهم قد لا يُعانون من أعراض جسدية تتعلق بفيروس كورونا، إلا أنه من الضروري إدراك أن العديد سيحتاجون إلى دعم إضافي للحفاظ على صحتهم النفسية أثناء الحجر وبعده.
التهديد الجسدي للفيروس مخيف بما فيه الكفاية، ومن خلال وسائل الإعلام أو الخبرة الشخصية، نعلم جميعًا أن العديد من الأشخاص قد فقدوا حياتهم. إن الخوف من المستقبل وعدم اليقين من استمرار الحياة بعد الحجر، ترك حتى من يتمتعون بمدارك عقلية قوية يواجهون مستويات عالية من القلق، خاصة عندما نجد أنفسنا محرومين فجأة من التواصل المألوف مع العائلة والأصدقاء.
نحن البشر اجتماعيون بطبعنا، والحاجة المفاجئة لعزل أنفسنا هي بلا شك صدمة لنظام حياتنا، لذا فإن عقولنا قد تكافح عندما تضطر إلى التكيف بسرعة مع شيء لم نعتد عليه ونحن غير مستعدين نفسياً للتعامل معه. لذا، في حين أن الوسائط الرقمية مكنت الكثير منا من البقاء على اتصال ببعضنا البعض، يجب علينا أيضًا أن ندرك الحاجة إلى البقاء إيجابيين نفسيًا، وكذلك حماية صحتنا الجسدية بينما نعيش هذه الظروف الجديدة علينا.
مواجهة الضغط على الصحة النفسية
} كيف سيجد قطاع الرعاية الصحية النفسية القدرة على مكافحة عواقب جائحة كوفيد 19؟
- نعلم جميعًا مقدار الضغط الذي لا تزال أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم ترزح تحته بسبب الوباء، وأعتقد أن العديد من الدروس سيتم تعلمها والتي يمكن استخدامها بشكل جيد في إدارة عواقب الصحة النفسية للجائحة الحالية.
فأقترح أن يكون هناك المزيد من التدريب لأخصائيي الصحة النفسية على علاجات ما بعد الصدمة، وإدارتها، لزيادة القدرة على تقديم الرعاية اللازمة. بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من التكنولوجيا الرقمية المبتكرة الموجودة بالفعل في السوق، وأخرى في مرحلة التطوير، التي تقدم حلولًا بنّاءة لتلبية الطلب المتزايد على دعم الصحة النفسية ما بعد الوباء، وستساعد أخصائيي الرعاية الصحية النفسية في الزيادة الضرورية للطاقة الاستيعابية.
هذا بالاضافة إلى ان قطاع الرعاية الصحية النفسية سيشهد بالتأكيد تغييرًا بنّاءً بعد الوباء، حيث تتطلب زيادة الطاقة الاستيعابية على نطاق واسع الكثير من التخطيط، وإعادة الهيكلة، والتكيّف مع البنية التحتية الحالية.
وأنشأت العديد من البلدان مراكز اتصالات ليس فقط لمجرد الإبلاغ عن الأعراض، والسعي للحصول على رعاية طبية لفيروس كورونا، ولكن أيضًا لطلب المساعدة في مجال الصحة النفسية. على سبيل المثال في قطر، منذ بداية الإجراءات الاحترازية ضد انتشار فيروس كورونا، زادت جمعية أصدقاء الصحة النفسية «وياك» من عدد الموظفين وساعات العمل لتقديم المساعدة. كما لاحظ الموظفون زيادة في المكالمات الهاتفية كل يوم من الأشخاص الذين يطلبون المساعدة.
مستقبلا، أعتقد أن تشجيع عدد أكبر من الطلاب على ممارسة مهن رعاية الصحة النفسية، وتدريب المتخصصين الحاليين في الخطوط الأمامية، مثل الممرضات، على العلاج الأساسي للصحة النفسية، وتنفيذ برامج التوعية التعليمية المصممة لاحتياجات مختلف المجتمعات، ستكون من بين الطرق المختلفة لتوسيع قدرات رعاية الصحة النفسية في هذا القطاع.
اضطراب ما بعد الصدمة
} هل تتوقعون عواقب على الصحة النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة بعد انتهاء جائحة كوفيد 19؟
- إن الوباء، والتأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي يخلفها على الناس على الصعيد العالمي، يُشكل تجربة صادمة. بالنسبة للكثيرين، فإن فيروس كورونا هو على الأرجح التجربة الأكثر صدمة التي مروا بها على الإطلاق. لقد تغير نسق الحياة بشكل سريع وجذري، ليس فقط لأولئك الذين أصيبوا بالفيروس، أو يعرفون شخصًا مصابًا به، ولكن لكل شخص في العالم. إنه يذكرنا بأننا فانون، وأعتقد أنه من الممكن أن نفترض وجود مستوى معين من الإجهاد اللاحق للوباء الذي نعانيه جميعًا بمجرد تجاوز هذه الصدمة.
إن تأثير هذا الوباء له أبعاد مختلفة. هناك عامل شخصي ينطوي على الخوف من فقدان شخص عزيز، أو الخوف من أمراضٍ غير معروفة، والجوانب الاجتماعية للعزلة، فضلاً عن المخاوف الاقتصادية بشأن فقدان الأشخاص لوظائفهم وتوقف أعمالهم. في هذه الحالة الجديدة علينا، يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضًا صدمة الصحة النفسية الشديدة التي يعاني منها الأشخاص، على سبيل المثال، غير القادرين على زيارة أسرّة أحبائهم عندما يموتون، ولا يمكنهم حتى تأمين جنازة مناسبة لهم، حيث لم يعد للحجر معنى بالنسبة لهم. من بين أكثر الأشخاص ضعفاً هم الذين يعانون من حالات مثل الخرف، والذين يمكنهم أن يصابوا بصدمة مفاجئة بسبب حرمانهم المفاجئ من عائلاتهم أو من الموظفين الذين تعودوا تقديم المساعدة لهم، وهم لا يدركون لماذا تتعذر عليهم الزيارة. قد يكافح الآباء ومقدمو الرعاية أيضًا للتغلب على الضغط الذي يعاني منه الأطفال الذين يعانون من التوحد، والذين سيتملكهم الخوف والكراهية من الحبس المفروض عليهم ولا يمكنهم فهم أسباب ذلك.
كل ذلك يؤثر على الصحة النفسية للناس على مستويات مختلفة. على الرغم من أن أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم تعترف بالحاجة المتزايدة لتوفير الرعاية الصحية النفسية خلال هذه الفترة، أعتقد أن تقديم الرعاية الصحية النفسية بعد مرور الجائحة سيكون بالتأكيد بنفس مستوى علاج الإجهاد الناتج عن نوبة صادمة. يجب ألا ننسى أن مقدمي الرعاية الصحية أنفسهم يعانون أيضًا من نفس الصعوبات التي نواجهها، وسيحتاجون أيضًا إلى الدعم. يجب أن نكون مستعدين لتقديم الدعم الصحي النفسي لبعضنا البعض كل يوم، بدءًا من الآن.
دعم الصحة النفسية
} كيف سيغيّر هذا الوباء مشهد وسياسات الصحة النفسية في قطر وفي جميع أنحاء العالم؟
- من السابق لأوانه أن نجزم كيف سيغيّر الوباء مشهد الصحة النفسية، باستثناء القول بأنه سيكون هناك اهتمام أكبر بتوفير دعم فعال للصحة النفسية على نطاق واسع. في هذه المرحلة، ما زلنا نتعلم كيف استجابت مختلف البلدان والمنظمات حول العالم لآثار الوباء، وستوفر هذه المعلومات بلا شك نماذج لدعم الصحة النفسية بشكل فعال أثناء الأوبئة وبعدها، بما في ذلك هذه الحالة. إلى حد كبير، نحن نواجه ظرفًا غير معتاد بالنسبة لنا، ولكن لدينا الآن فرصة لا تقدر بثمن لجمع المعرفة وتبادل الخبرات وتحديد أفضل الممارسات، والتي يجب أن تراعيها السياسات المستقبلية المتعلقة بتوفير الصحة النفسية.
} كيف سيغيّر فيروس كورونا كوفيد 19 أنظمة الرعاية الصحية في قطر وفي جميع أنحاء العالم؟
- لا شك بأن ضمان استعداد أنظمة الرعاية الصحية بشكل أفضل لأي جائحة في المستقبل، سيكون على رأس أولويات معظم الدول، بما في ذلك قطر، حتى يتمكنوا من الاستجابة بسرعة وعدم الانهيار. ويُشير هذا التأهب للاستجابة لحالات الطوارئ إلى أن الدول سوف تضع خططًا وطنية مفصلة لتخطيط وإدارة عملية مواجهة الجائحات في المستقبل. وسوف يشمل، على سبيل المثال، تكوين مخزون استراتيجي من المعدات الأساسية، مثل معدات الوقاية الشخصية وأجهزة التهوية، وضمان مساحة كافية للحجر الصحي في المستشفيات. أعتقد أنه سيكون هناك تحرك نحو رفع أعداد الممرضين والممرضات، وتحسين وتوسيع تدريب كادر التمريض في الرعاية الحرجة، وربما زيادة الأجور، لإظهار تقديرنا للمخاطر التي يتحملها العاملون في الخطوط الأمامية نيابة عنا، والتي يمكن أن تشمل حتى نوعًا من بدل المخاطر.
كما سيتم وضع أنظمة لتنبيه الجمهور وإبقائه على علم بتدابير حماية الصحة العامة، مثل التباعد الاجتماعي، وغسل اليدين بشكل منتظم، وغيرها من الإجراءات الأساسية المتعلقة بالنظافة. نحتاج أيضًا إلى التفكير في طرقٍ لتوفير أفضل حماية للأشخاص الأكثر ضعفًا في المجتمع، والتأكد من عدم التخلي عنهم، وأنه بإمكانهم الوصول بسهولة إلى الخدمات التي يحتاجون إليها.
} وما هو دور الحكومات في تلك الأزمة ؟
- سوف تتطلع الحكومات إلى الاستثمار بكثافة في أبحاث علم الأوبئة، التي في «الوضع الطبيعي الجديد» - كما يطلق عليه الدكتور ديفيد نابارو، المبعوث الخاص لمنظمة الصحة العالمية بشأن كوفيد 19 - ستنتج معلومات أساسية حول كيفية احتواء انتشار الأوبئة بشكل أفضل. وسيتطلب ذلك نهجاً متعدد القطاعات، وعلى النحو المثالي، سيوفر خطة عالمية أكثر تماسكاً للمضي قدماً. وستكون برامج الوقاية، مثل التطعيم، على قائمة الأولويات الوطنية أيضًا، وستتطلب الكثير من التخطيط لنشرها بمجرد توفر لقاح عالمي.
في الوضع الحالي، لا يزال هناك الكثير مما يجب فهمه حول الآثار اللاحقة للفيروسات على الصحة النفسية. في قطر، يُشير ارتفاع المكالمات الهاتفية على الخط الساخن الذي تديره «وياك» إلى طلب أعلى من المعتاد للمساعدة، ولكن هناك حاجة إلى جمع بيانات جديدة في هذا المجال لمعرفة المزيد حول أفضل الممارسات المستقبلية. مع ذلك، وكما ذكرت سابقًا، فإن علاج ما بعد الصدمة يبدو الأنسب في الظروف الحالية. من الواضح أنه يجب رفع قدرة رعاية الصحة النفسية بعد كوفيد 19 وفي حالة تفشي امراض أخرى في المستقبل، بما في ذلك زيادة التوظيف والتدريب على الاستجابة الميدانية للصدمات.
copy short url   نسخ
02/06/2020
1311