+ A
A -
التوتر على الحدود بين الصين والهند تسبَّب من قبل في حرب بينهما بالفعل، فما الذي أعاد تفجير هذه القضية الآن وفي هذه الظروف التي يمر بها العالم؟ ومَن منهما يسعى لتثبيت أمر واقع جديد، وهل ينجح في ذلك أم أن الموقف قد يخرج عن السيطرة هذه المرة ويؤدي لحرب نووية؟
موقع هيئة الإذاعة البريطانية نشر تقريراً بعنوان: «الحدود الصينية الهندية.. لماذا تتصاعد التوترات بين الجارتين»، ألقى الضوء على خلفيات التوترات الحدودية بين الهند والصين وأسباب ظهورها على السطح فجأة هذه الأيام.
أين يقع التوتر الحدودي؟
علق جيشا أكبر دولتين في العالم من حيث السكان في مواجهة حامية في جبال الهيمالايا، يمكن أن تتطور مع سعي الجانبين إلى تحقيق أهدافهما الاستراتيجية، ونقلت وسائل الإعلام الهندية عن مسؤولين أن آلاف الجنود الصينيين قد دخلوا عنوة وادي الغالوان في لداخ، بمنطقة كشمير المتنازع عليها، وقد صدم دخولهم القادة الهنود والمحللين الاستراتيجيين العسكريين.
وتقول التقارير إنه في أوائل مايو نصبت القوات الصينية الخيام وحفرت الخنادق ونقلت المعدات الثقيلة، متوغلة بضعة كيلومترات داخل المنطقة التي تعتبرها الهند واقعة تحت سيادتها، وجاء ذلك التحرك بعد بناء الهند طريقاً بطول بضع مئات من الكيلومترات إلى قاعدة جوية على ارتفاعٍ عالٍ أعادت تشغيلها في 2008، والرسالة الواردة من الصين تبدو واضحة للمراقبين في دلهي: هذا ليس اقتحاماً روتينياً.
يقول أجاء شوكلا، الخبير العسكري الهندي الذي خدم سابقاً برتبة كولونيل في الجيش: «الوضع خطير. لقد دخل الصينييون منطقة اعترفوا هم أنفسهم بأنها جزء من الصين. إن هذا يغير الوضع القائم تماماً»، لكن للصين وجهة نظر مغايرة، إذ تقول إن الهند هي مَن غيَّرت الأوضاع على الأرض.
وأفادت وسائل الإعلام الهندية بأن الجنود من الجانبين دخلوا في مصادمات مرتين على الأقل في لداخ، في ثلاثة مواقع على الأقل: وادي الغالوان، وهوت سبرينغز، وبحيرة بانغونغ في الجنوب.
ويبلغ طول الحدود بين الهند والصين أكثر من 3440 كيلومتراً (2100 ميل)، وتتداخل بعض الأراضي التي يطالب البلدان بالسيادة عليها، وكثيراً ما تتصادم الدوريات الحدودية ببعضها، ما يؤدي إلى مصادمات عابرة، غير أن الجانبين يصران على أن القوات لم تتبادل طلقة واحدة منذ أربعة عقود.
ويتقابل جيشا البلدين، وهما من أكبر الجيوش في العالم، في نقاطٍ عدة، إذ يفصل «خط السيطرة الفعلية» غير المحدد بوضوح بين الجانبين، وتتسبب الأنهار والبحيرات والقمم الجليدية في تغيير الخط الفاصل بين الجانبين بين الحين والآخر، ما يقرّب الجنود من الدخول في مواجهة مباشرة.
ولا تقتصر التوترات العسكرية الحالية على لداخ، فالجنود من الجانبين يتقابلان أيضاً في ناكولا، على الحدود بين الصين وولاية سيكيم شمال شرقي الهند، ويُزعم أن الجنود قد اصطدموا ببعضهم في أوائل شهر مايو، وهناك نزاعٌ حول خريطة جديدة وضعتها نيبال أيضاً، تتهم فيها الهند بالتغول على أراضيها عبر بناء طريق يصلها بالصين.
لماذا تتصاعد حدة التوترات الآن؟
الأسباب متعددة، لكن التنافس على تحقيق الأهداف الاستراتيجية هو أصل هذه الأسباب، وكلا الطرفين يُلقي باللوم على الآخر.
يقول شوكلا: «إن منطقة وادي الغالوان التي كانت مسالمة في الماضي صارت الآن بؤرة نزاعٍ، لأنها النقطة التي يقترب عندها خط السيطرة الفعلية للغاية من الطريق الجديد الذي بنته الهند بطول نهر الشيوك إلى منطقة دولت بيغ أولدي، وهي المنطقة الأبعد والأضعف بطول خط السيطرة الفعلية في لداخ».
ويبدو أن قرار الهند بتسريع أعمال التشييد قد أغضب بكين، إذ قالت صحيفة غلوبال تايمز التي تديرها الحكومة الصينية بصورة قاطعة إن «وادي الغالوان أرض صينية، والوضع المحلي للسيطرة الحدودية واضحٌ للغاية».
ويقول د. لونغ شينغ شون، رئيس معهد شينغدو لشؤون العالم (CIWA): «وفقاً للجيش الصيني، الهند هي من اقتحمت وادي الغالوان. إذن الهند هي التي غيّرت الوضع القائم بطول خط السيطرة الفعلية، وهذا قد أغضب الصينيين».
وقال مايكل كوغلمان، نائب مدير برنامج آسيا بمركز ويلسون البحثي، إن هذه المواجهة ليست مواجهة روتينية، وأضاف أن «نشر الصين لعددٍ ضخم من الجنود هو استعراض للقوة».
وقد يعزز الطريق من قدرة دلهي على نقل الرجال والمواد بسرعة في حالة حدوث نزاع، وزادت الخلافات بين الدولتين على مدار العام الماضي في مجالات سياسية أخرى أيضاً، ففي حين اتخذت الهند قراراً مثيراً للجدل بإنهاء الإدارة الذاتية المحدودة لإقليمي جامو وكشمير في أغسطس من العام الماضي، فقد أعادت أيضاً رسم خريطة المنطقة، وتضمّنت منطقة لداخ الجديدة الخاضعة لإدارة الحكومة الاتحادية منطقة أكساي تشين، التي تُطالب بها الهند وتُسيطر عليها الصين.
وتَحدَّث قادةٌ كبار في حكومة الحزب الهندوسي القومي بهاراتيا جاناتا بالهند عن إعادة السيطرة على إقليم كشمير الخاضع للإدارة الباكستانية، إذ يمر بهذه المنطقة طريق كاراكورام السريع ذو الأهمية الاستراتيجية، ويصل الصين بحليفتها باكستان. وقد استثمرت بكين نحو 60 مليار دولار (48 مليار جنيه إسترليني) في البنية التحتية لباكستان، فيما يُعرف بالمرر الاقتصادي الصيني الباكستاني، ضمن مبادرة الحزام والطريق، وذلك الطريق السريع ضروري لنقل البضائع من وإلى ميناء غوادر جنوبي باكستان، وذلك الميناء يُعطي الصين موطئ قدم في بحر العرب.
وعلاوةً على ذلك، استاءت الصين حين حظرت الهند في بداية جائحة كورونا تصدير كل المعدات الطبية والوقائية لتزيد من مخزونها في بداية العام.
هل سيتطور الأمر؟ وما خطورته؟
يقول بي ستوبدان، الدبلوماسي الهندي السابق والخبير في لداخ والعلاقات الهندية الصينية: «كثيراً ما نشهد عبور الجيشين خط السيطرة الفعلية بشكل روتيني، فحدوث ذلك شائع ويتم حله على المستوى العسكري المحلي، لكننا نشهد هذه المرة أكبر حشد للقوات. إن المواجهة تقع في مناطق استراتيجية مهمة للهند، وإن سقطت بحيرة بانغونغ في قبضة الصين فلا يمكن للهند الدفاع عن لداخ، وإن سمحت الهند للجيش الصيني بالاستقرار في وادي شيوك الاستراتيجي فإن القوات الصينية بإمكانها الوصول لوادي نوبرا بل وسياتشين».
وفيما يبدو أنه فشل استخباراتي جديد، أخذت الصين الهند على حين غرة، إذ تذهب روايات الإعلام الهندي إلى أن الجنود الهنود كانوا أقل عدداً ومحاصرين حين نقلت الصين رجالها ومعداتها بسلاسة من مناورة عسكرية إلى منطقة الحدود.
وقد دق ذلك أجراس الإنذار في دلهي، لكن الهند لا تملك غير مساحة محدودة للمناورة، إما أن تسعى إلى إقناع بكين بسحب قواتها بالحوار، أو أن تجرِّب إزالتهم بالقوة، وكلاهما خيار صعب.
يقول أجاي شوكلا: «إن الصين ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم، وهي متفوقة تكنولوجياً على الهند، وبنيتها التحتية متقدمة للغاية. ويُمكن للصين مالياً أن توجه مواردها لتحقيق أهدافها العسكرية، في حين يتعثر الاقتصاد الهندي في الأعوام الحالية، وقد زادت أزمة فيروس كورونا الأمور سوءاً».
ماذا بعد؟
يحمل التاريخ دروساً صعبة للهند، فقد لاقت هزيمة مذلة في نزاعها الحدودي مع الصين في عام 1962. وتقول الهند إن الصين تحتل 38 ألف كيلومتر من أراضيها، وقد فشلت عدة جولات من المحادثات في العقود الثلاثة الماضية في حل مسائل الحدود.
تُسيطر الصين بالفعل على منطقة أكساي تشين شرق لداخ، وهذه المنطقة التي تطالب بها الهند مهمة استراتيجياً لبكين، إذ تربط منطقة شينجيانغ بغربي التبت، وفي عام 2017 انخرطت الهند والصين في مواجهة مشابهة استمرت أكثر من شهرين في تل دوكلام، وهي منطقة مشتركة بين الهند والصين وبوتان.
اعترضت الهند على بناء الصين طريقاً في منطقة تُطالب بوتان بالسيادة عليها، وقد أصر الصينيون على موقفهم، وفي غضون ستة أشهر أفادت وسائل الإعلام الهندية بأن بكين قد شيدت مجمعاً عسكرياً دائماً في المنطقة.
وفي تلك المرة أيضاً كانت المحادثات هي الطريقة الوحيدة لحل الأزمة، فالبلدان يمكن أن يخسرا كثيراً حال وقوع نزاعٍ مسلح. ويقول د. لونغ شينغ شون: «لا تنتوي الصين تصعيد التوترات، وأظن أن الهند لا ترغب في نزاع أيضاً، لكن الوضع يتوقف على الجانبين. إن الحكومة الهندية لا ينبغي أن تنساق وراء تعليقات الإعلام القومي، ويُمكن للبلدين حل النزاع عن طريق محادثات على مستوى رفيع».
ولم تنقل وسائل الإعلام الصينية إلا القليل عن مسألة الحدود، وهو ما يفسره البعض بأنه إشارة إلى أن البلدين سيسلكان طريق المحادثات.
ويقول براتيوش راو، المدير المساعد لقسم جنوب آسيا بهيئة الاستشارات Control Risks، إن الجانبين لديهما «مصلحة واضحة في إعطاء الأولوية لتعافي الاقتصاد» وتجنب التصعيد العسكري. و«من المهم الاعتراف بأن الجانبين لديهما سجل موثوق من الحفاظ على السلام والاستقرار النسبيين في المنطقة الحدودية المتنازع عليها».
copy short url   نسخ
01/06/2020
737