+ A
A -
عندما جاءت نتيجة اختبار رئيس وزراء روسيا، ميخائيل ميشوستين، لـ «كوفيد - 19» إيجابية، صرّح الرئيس فلاديمير بوتين أن هذا دليل على أن «الفيروس لا يمارس التمييز»، غير أن الفئات الأكثر ضعفاً تدفع ثمناً غير متناسب في هذه الجائحة. في ولاية نيويورك يموت المواطنون السود واللاتينيون بمعدلات تبلغ ضعف وفيات البيض، ما يعكس عدم مساواة اقتصادية وفوارق في تمتُّعهم بالرعاية الصحية، وهناك أمثلة مشابهة في جميع أنحاء العالم. بالرغم من توفر 7500 جهاز تنفس صناعي لـ 20 مليون مواطن (أي جهاز واحد لكل 2700 شخص)، تعاني ولاية نيويورك في التعامل مع تفشي المرض، في حين تملك جمهورية إفريقيا الوسطى ثلاثة أجهزة تنفس صناعي لمواطنيها، الذين يبلغ عددهم 5 ملايين نسمة (أي جهاز واحد لكل 1.7 مليون شخص)، إلى جانب بلدان أخرى كثيرة تواجه مصيراً مشابهاً. يُعد العاملون في الرعاية الصحية معرضين لخطرٍ أكبر في الإصابة بالعدوى بفيروس كورونا والمرض الشديد بسببه. في ووهان على سبيل المثال، كانت نسبة 15 % من الحالات الأولية للعاملين في الرعاية الصحية الذين أُصيبوا بـ «كوفيد - 19» شديدة أو حرجة. وبينما صارت أوجه التفاوت في إمكانية الوصول إلى المعدات الطبية والرعاية الصحية أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى، يظل السؤال الجوهري مطروحاً: عندما يُعثر على حل فمن سيستفيد به؟ والأهم من ذلك، من سيتم التخلي عنه؟ وقالت الدكتورة سمية سواميناثان، كبيرة العلماء في منظمة الصحة العالمية، أمام مئات الناشطين من جميع أنحاء العالم أثناء آخر اجتماع رقمي مفتوح لحركة NOW!: «اللقاح هو الحل الوحيد طويل المدى للجائحة». ولا مجال للشك، إذ في حين أمل كثير من الساسة أن تتطور مناعة القطيع صار واضحاً الآن استحالة تحقيق ذلك. وفي البؤر الساخنة على غرار مدينة جنيف في سويسرا، لم يُصَب بالعدوى إلا حوالي 5 % من المواطنين، وهو رقم بعيد عن النسبة المطلوبة التي تتراوح بين 70 % إلى 80 % لتحقيق الهدف. وأوضحت سواميناثان أنه من دون اللقاح «سيموت الملايين قبل أن نحقق مناعة القطيع». لكن الخبر السار هو أن مئات اللقاحات يجري اختبارها بالفعل، وتخضع 7 منها حالياً للتجارب السريرية، ولا نزال ننتظر معرفة ما إن كان أي منها سيُعدّ آمناً وناجحاً كفاية للخروج به إلى العالم، لكن حتى إن أثبت اللقاح فاعليته فلن يكون هناك ما يكفي منه للجميع، على المدى القصير على الأقل. في العالم المثالي تكون هناك سلطة فوق وطنية تُمثِّل مواطني العالم، قادرة على التأكدة من المساواة في توزيع اللقاح والمعدات الطبية للجميع، بغضِّ النظر عن جنسيتهم أو نوعهم أو عرقهم أو خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية. وينبغي أن تكون الأولوية لعاملي الصحة، يليهم العمال الأساسيون والمواطنون المعرضون للخطر أكثر من غيرهم، قبل أن يصل اللقاح إلى عامة الناس. ومع ذلك، لا تزال هذه فرضية بعيدة. ولضمان التوزيع العادل، أكدت سواميناثان أن منظمة الصحة العالمية «تحتاج إلى التعاون والإجماع من جانب جميع الدول الأعضاء». وبصفتها هيئة تحكمها تلك الدول الأعضاء، ومنكوبة بالخلافات والمواجهات بين الدول الكبرى، لا تملك منظمة الصحة العالمية سلطة إلزامية في هذه المسألة الأساسية وهي التوزيع العادل. وأفضل ما في وسعها هو إصدار تصريحات عامة من أجل التعاون وحث قادة العالم على التعهد بتقديم دعمهم. باختصار، تستطيع منظمة الصحة العالمية أن «تُصدر توجيهات إرشادية، لكنها غير قادرة على إنفاذها»، بحسب ما قالت سواميناثان. الأسبوع الماضي، تعهَّد بعض قادة العالم (ليس كلهم، إذ لم تكن الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند حاضرة) بتسريع التعاون فيما يخص لقاح «كوفيد - 19»، ومشاركة الأبحاث والعلاج والأدوية حول العالم. ويوم الإثنين، انضمَّت عدة دولٍ، تحت إشراف الاتحاد الأوروبي، إلى تعهدٍ عام بالتبرع بثمانية مليارات دولار لمكافحة المرض في السنتين القادمتين. وفي حين أن هذا هو ما ينبغي أن يحدث، لا يسع المرء إلا أن يتساءل ما إن كانت هذه الوعود ستكتمل بالأفعال من أجل مشاركة اللقاح القادم المأمول، وقد اتّخذت البلدان توجهاً كامل الاختلاف منذ بداية تفشي الجائحة. وبدايةً من إغلاق الحدود وحظر تصدير السلع الطبية وانتهاءً بإلقاء بعضها اللوم على بعض، أوضحت أغلب دول العالم من خلال عدم تعاونها أن كل واحدة منها مسؤولة عن نفسها في هذه الجائحة، بغضِّ النظر عن التصريحات العامة التي يمكن لكل منها صياغتها بعناية. وبينما قد يكون هدف منظمة الصحة العالمية هو المساواة في توزيع اللقاح، يحكي التاريخ قصة أخرى. أثناء وباء إنفلونزا H1N1 الذي تفشّى عام 2009، اشترت الدول الثرية جميع اللقاحات، ومارست الاحتكار بنجاح على مخزون العالم من اللقاح، ولم يصل منه إلى الأنحاء الأخرى من العالم إلا قدر قليل. وتمادت أستراليا إلى حد رفض تصديره في بداية الأمر، لتضمن أن يحصل عليه مواطنوها أولاً. هناك ملايين الأرواح معرّضة للخطر، وسوف يواجه كل من القوميين وأنصار العولمة وقتاً عصيباً في مقاومة رغبتهم في فرض سيطرتهم الاقتصادية وتخزين أكبر كمٍّ ممكن من اللقاح. وتحت ضغط العودة إلى الحياة «الطبيعية» واقتراب موعد الانتخابات في بلدان متعددة يمكن أن تتلاشى تلك التعهدات أسرع من الوقت الذي كُتبت فيه، بل إن العاملين في مجال الرعاية الصحية، أول صفوف الدفاع في هذه الأزمة، قد تجري التضحية بهم أمام من يدفع أكثر. ونظراً لانعدام نفوذ منظمة الصحة العالمية، فالأمر متروك للعامة، لضمان أننا لا نأمل وحسب أن «يتكاتف العالم معاً على نطاق واسع»، بل ينبغي إجباره على العمل في تضافر. وفين حين ينبغي للشعوب أن تُحمل حكوماتها مسؤولية الوفاء بتعهداتها بعدالة توزيع اللقاح، من الأمور الأساسية أيضاً الاتفاق على من يحصل عليه أولاً، إذ سيستغرق الأمر ما لا يقل عن 12 شهراً لتطعيم العالم كله، بداية من لحظة توفره الفعلي. وهكذا فنحن في أمسّ الحاجة إلى التوصل لنظامٍ عالمي في تنسيق طريقة الاستجابة خلال الجوائح، لكن هذا واقعياً لن يحدث هذه المرة. وعليه، يجب التوصل إلى حل مؤقت. يُعد النظام الصحي الفعال هو أفضل طريقة تستخدمها الدول في التغلب على الجوائح أو إبطائها على الأقل، ويعتمد النظام الصحي الفعال في أغلب أعماله على الأشخاص: الممرضين والأطباء وعاملي النظافة والطهاة والفنيين وغيرهم من موظفي الدعم. يواجه كل هؤلاء الأشخاص خطراً هائلاً في الإصابة بالعدوى. ولشهورٍ عديدة، صفق الناس حول العالم وحيّوا ودعموا «ملائكة كوفيد - 19»، وهم العاملون في الرعاية الصحية الذين حاربوا بضراوة على الخطوط الأمامية أثناء هذه الأزمة. وبينما صُور هؤلاء على أنهم أبطال، ليس الضغط البدني هو الثمن الوحيد الذي دفعوه في هذه المعركة، إذ سقط المئات، إن لم يكن الآلاف، في صفوف «الجيش الأبيض» موتى، وهم في الغالب إما غير مجهزين بالمعدات اللازمة أو تنقصهم العمالة. وإلى جانب ذلك، بدأت أزمة حادة تظهر في الصحة النفسية للعاملين الطبيين، بداية من الإرهاق النفسي ووصولاً إلى ارتفاع معدلات الانتحار في القطاع. ولا ينبغي التخلي عن أي بلدٍ كان، ولا ينبغي إرسال أي عامل رعاية صحية إلى الخطوط الأمامية دون أوجه الحماية الملائمة. وبعد التصفيق لهم حان وقت الوقوف إلى جانبهم، وهكذا ينبغي إعطاء أولى اللقاحات المتوفرة إلى هؤلاء الذين نحتاج إليهم من أجل حماية العالم، وهم بالإضافة إلى ذلك الأكثر عُرضة للخطر. إذ إن هذا هو الطريق الأكثر واقعية من أجل المضي قدماً: ستكون بعض مئات الآلاف من الجرعات كافية لضمان ألا تنهار الأنظمة الصحية في أي مكان في العالم. وكما أكدت كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية: «ينبغي أن يكون هناك قدر من الإجماع على ضرورة حصول العاملين في الرعاية الصحية والممرضين والأطباء على اللقاح». ومثلما يقول المثل الشعبي: «ضع أموالك حيث يوجد فمك». بدلاً من ذلك، لنضع اللقاح حيث توجد قلوبنا خلال هذه الأزمة، مع العاملين الطبيين من جميع أنحاء العالم.
copy short url   نسخ
01/06/2020
1045