+ A
A -
د . نوال محمد العبدالله
انتقل رجل مع زوجته إلى منزل جديد وفي صبيحة اليوم الأول وبينما يتناولان وجبة الإفطار، قالت الزوجة مشيرة من خلف زجاج النافذة المطلة على الحديقة المشتركة بينهما وبين جيرانهما انظر يا عزيزي إن غسيل جارتنا ليس نظيفا.. لابد أنها تشتري مسحوقا رخيصا..
ودأبت الزوجة على إلقاء نفس التعليق في كل مرة ترى جارتها تنشر الغسيل.. وبعد شهر اندهشت الزوجة عندما رأت الغسيل نظيفا على حبال جارتها، وقالت لزوجها انظر.. لقد تعلمت أخيرا كيف تغسل.
فأجاب الزوج: عزيزتي لقد نهضت مبكرا هذا الصباح ونظفت زجاج النافذة التي تنظرين منها !!.
الحكمة: قد تكون أخطاؤك هي التي تريك أعمال الناس خطأ فأصلح عيوبك قبل أن تنتقد عيوب الآخرين.
هل مر عليك عزيزي القارئ نفس هذا النمط من الناس؟ الذين يمسكون بعدسة مكبرة ليركزوا على أخطاء الغير؟ هل تعرضت لموقف مشابه، أم رأيت موقفا مماثلا أمامك؟.
هذا مجال حديثنا اليوم... هناك نوعية من الناس الذين يقومون بإصدار الأحكام المسبقة على الآخرين وذلك من خلال عدة أمور ومنها: أولاً: طريقة توصيل المعلومة الخاطئة حسب وجهة نظر المرسل وحسب الحكم المسبق للمرسل، ثانياً: الزاوية الضيقة التي يحكم بها هؤلاء الناس، ثالثاً: العواطف السائدة في تلك اللحظة، رابعاً: مدى ثقافة الإنسان وعلمه وعاداته وتقاليده حول الموضوع.
كل هذه الأمور تؤثر إيجاباً أو سلباً على القرار والحكم الذي يتخذه الإنسان، وعواقب هذه القرارات، الكثير يبدع في إصدار الأحكام السريعة بغض النظر عن نوعية القرار سواء صحيح أو خاطئ، والمصيبة الأكبر بأننا لا نرغب بمناقشة قراراتنا مع الآخرين، تهتز كرامتنا في حال إذا قيل لنا عبارة: لقد أخطأت في حكمك، أو لقد استعجلت في قرارك.
هنا نفور كالبراكين في وجه من يوجهنا ونقول لهم بكل غضب ولا تستطيع أن ترى عزيزي القارئ من وجهنا إلا فمنا المفتوح مسافة مترين كالفك المفترس لنتهمك ونرد عليك قائلين: ومن أنت لكي تعلمني القرار الصحيح من الخطأ.
لا أٌخفيك بأنك في تلك اللحظة تعد شخصا محظوظا، لأنك ترى الوجه الاخر للإنسان بغض النظر عن العواصف والإعاصير التي تمر بها، وعندما نهدأ ونصل إلى حالة نستطيع من خلالها مناقشة الأمر تكون المسألة قد انتهت، ولا فائدة من النقاش ولكن ما نزال نظهر للآخرين بأننا أُناس مثاليون ويمكننا تقبل النقد ومناقشة المواضيع، وبكل بساطة نقول لا عليك فهو أو فهي تستحق ذلك، بالرغم من أننا نتيقن تماماً بداخلنا بأنا قد نكون مخطئين ولا كرامتنا لاتسمح لنا (لأن نحن سطحيون ولسنا أناسا إيجابيين بحق )، ولسنا عظماء لأن الإنسان العظيم متواضع بسيط يعترف بخطأه، يتأنى قبل الحكم يرى الصورة الكاملة، يضع نفسه مكان الشخص المقابل، لا يدع مجالا لعواطفه أن تقوده، ولا يسمح لتنفيذ أحكام الناس الآخرين ويقوم هو بتمثيلهم عن طريق القرار الصادر منه.
عزيزي القارئ ألا تتعجّب من بعض الناس في ازدواجية خطابهم وسلوكهم، بالطبع لا نريدك أن تكون ضمن هؤلاء الناس، فإن الأحكام المسبقة تمنعك من الوعي بذاتك وبالآخرين، تفقدك مشاعرك الحقيقية وتفقد معها الإحساس بالآخرين فتصبح أسير أحكامك المسبقة والافتراضات والظنون السلبية والتي قد تكون في الغالب ليست موجودة، فقط لأنك سمحت لها بأن تأخذ حيزا في تفكيرك وتتربع على كرسي قراراتك.
أتعلم بمجرد أن يكون لديك حكم مسبق عن شخص يعني أنك شكلت حاجزًا بينك وبين هذا الشخص، وكذلك حاجزًا آخر بينك وبين عقلك وبصرك وبصيرتك، لأنك رأيت بأعين الناس لا بعين رأسك ليس من خلال الأدلة الحقيقية، وحرمت نفسك من استخدام عقلك، فتكون بذلك قد جنيت على نفسك وتجنيت على الكثيرين ممن حولك، وأنت تسير بينهم بالحقيقة أنت تنهي وجودك من حياتهم بأفعالك هذه.
لا تضيع عليك فرصة تطوير ذاتك، محبة الآخرين ومن ثم محبة الحياة.
خلك معاي
ضع جميع معتقداتك وأحكامك المسبقة صغيرة كانت أو كبيرة في صندوق وأحكم غلقها واتركها جانباً.
البس نظارة الاستكشاف وابدأ في تقصي الحقائق بنفسك وخذ وقتا في التحليل.
لا تعني سرعة اتخاذك للقرار بأنك صائب ولا تأخيره بأنك مخطأ.
مدرب في وزارة التنمية
والعمل والشؤون الاجتماعية
copy short url   نسخ
30/05/2020
857