+ A
A -
السنوسي بسيكري كاتب ليبي
كان الموقف الأميركي متحفظا على الهجوم الذي شنه حفتر على العاصمة طرابلس في أبريل 2019م، وهو الاتجاه الذي عبر عنه وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، في أكثر من تصريح منها وصفه لقوات حفتر بالمليشيات في لقاء على قناة فوكس نيوز بعد أيام من الهجوم، وموافقته على مسودة بيان ألماني يدين بشكل صريح العدوان.
لكن اتصالا هاتفيا رتب له مستشار الأمن القومي الاميركي السابق، جون بولتون، أربك السياسة الأميركية، وجعل السلوك الأميركي أقرب لدعم الحرب، فقد عبر هذا السلوك عن نفسه من خلال تحفظ واشنطن على مشروع بيان عرضته الدبلوماسية البريطانية على مجلس الأمن يدين حفتر، لتقف أميركا في خندق واحد مع روسيا وفرنسا، الداعمتين لحفتر ولحربه على العاصمة.
الدور التركي في ليبيا يشكل سببا ومظهرا آخر من مظاهر ارتباك وتناقض الموقف الأميركي من الأزمة الليبية، ومن الحرب الدائرة على تخوم طرابلس. فمن ناحية تتساوق السياسة الأميركية المعارضة بشدة للتدخل الروسي في ليبيا مع العمل العسكري المهم الذي تقوم به أنقرة والذي أسهم في انتكاسة قوات حفتر والداعمين له، وفي مقدمتهم روسيا. ومن جهة أخرى، فلا شك أن قلقا يساور صناع السياسة الخارجية الأميركية من تنامي دور «أنقرة».
يمكن القول إن واشنطن ترتاح إلى إفشال مخطط روسيا في تعزيز نفوذها في ليبيا من خلال دعم فاغنر الذي شكل فارقا وعزز من قوة حفتر خلال الأشهر الخمسة الماضية، وإحراج موسكو بعد تدمير عدد من منظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة..
ويمكن تفسير اتصال بومبيو بفايز السراج خلال اليومين الماضيين في اتجاه نفس التداعيات السابقة، فطلب وقف إطلاق النار وتجميد العملية العسكرية الكبيرة الجارية اليوم يأتي منعا لانكسار القوات المهاجمة للعاصمة، فهزيمة حفتر في الغرب ستكون لها تداعيات كبيرة على نفوذه في الجنوب بل وحتى في الشرق، ويعزز من حضور قوى محلية غير مرغوبة.
صحيح أن الولايات المتحدة لم تتبن رؤية أو مقاربة لحل النزاع المتفجر في ليبيا منذ 2014م، وأن ليبيا ليست في بؤرة الاهتمام الأميركي، لكن هذا لا ينفي وجود موقف مضمونه القبول بنتائج الحرب إذا كانت في صالح حفتر بعيدا عن النفوذ الروسي والفرنسي، والتخوف من انتصار قوات الوفاق بمكوناتها الراهنة اعتقادا بأن نفسا إسلاميا يملأ رئتي الحراك الثوري الذي شكل عصب القوات التي صدت الهجوم على العاصمة.
معلومات موثقة تؤكد حصول حفتر على دعم أميركي مباشر، وذلك خلال السنوات 2016- 2017م، كان دعما محدودا، لكن وقع، وهناك معلومات غير موثقة تشير إلى تحصل حفتر على دعم أميركي لوجستي مؤخرا.
وأعود لأقول لأن السياسة الخارجية الأميركية وقعت في فخ الارتباك خلال فترة حكم باراك أوباما بسبب سعي أوباما للملمة تركة جورج دبليو بوش، واستمرار الارتباك بعد مجيء دونالد ترامب الذي لديه اهتمام اكثر بـ «الداخل الأميركي»، فغابت الرؤية والمقاربة الكاملة لحل الأزمة الليبية، وأصبح الموقف الأميركي يتحدد من خلال ردود الفعل على التطورات على الأرض والتي أهمها لجوء حفتر لموسكو، أو تنامي حضور أنقرة في المشهد بشكل أقلق الجميع.
ولن يكون للضغط الأميركي لوقف الحرب قيمة إذا لم تنزل الدبلوماسية الأميركية بثقلها لتنشيط التفاوض وإنجاح المسار السياسي، وهي مهمة عصية، ففرض حفتر في المشهد القادم لن يقابل فقط برفض مكونات فاعلة في جبهة الوفاق، بل سيخدم مشاريع دولية لا تسر الولايات المتحدة، واستبعاد حفتر سيخلق أزمة في الجبهة الشرقية لا يمكن أن ترضيها، والنتيجة هي ربما مسار تفاوضي عقيم يمهد لجولة ثانية من الاحتراب ولكن بموازين مختلفة.
copy short url   نسخ
28/05/2020
538