+ A
A -
الحاجة إلى الروبوتات كانت ملحة وقت جائحة كورونا، فبالرغم من استخدام الروبوت في بعض الأماكن مثل الصين أثناء انتشار الوباء، إلا أن عدم الاستعانة به بشكل فعال في المرافق الصحية وغيرها ساهم في تعريض حياة العاملين بالخطر.
تظهر أفلام الخيال العلمي الروبوتات أحيانا بصورة سعيها للسيطرة على العالم أو تمردها على صانعيها، بيد أن جائحة كورونا باتت تدفع إلى إنتاج روبوتات تساعد البشرية في أعمالها ولا تعرضه لخطر الإصابة بالعدوى خاصة في أوقات الوباء الحرجة كالتي عاصرناها مؤخرا.
فكرة إيجاد روبوتات عاملة تساعد الإنسان في عمليات التطهير، ومتابعة المرضى، وتساعد العجزة في أعمالهم المختلفة قد يكون واقعا بات يتحقق بحسب هيلموت شميت، مدير شركة «يونيفرسال روبوتز» الرائدة في تصنيع الروبوتات الصناعية لصحيفة هاندلسبلات الألمانية، فهو واثق أن مشاريع الأتمتة والروبوتات ستشهد طفرة قوية بعد كورونا.
أصبحت الأدوار المحتملة للروبوتات واضحةً على نحوٍ متزايد، فهناك أماكن عديدة يمكن أن يحدث بها وجود الآلة فارقا مهما لا سيما في مجالات الرعاية الصحية والتطهير والتنظيف أو حتى التصنيع.
ويرى شميت أن للروبوتات قدرة على تخفيف العبء على المستشفيات، فاستخدام الروبوتات في عمليات سحب الدم الخطرة على سبيل المثال سيحمي العاملين هناك، كما أن إرسالهم للعمل في المصانع في أوقات الأوبئة والمرض سيساهم في دفع خطر الإصابة عن العمال.
الروبوت حاضر لمواجهة كورونا
لقد تم استخدام الروبوتات بفعالية في العديد من الأمكنة في ووهان في الصين وهي المدينة التي انطلق منها وباء كورونا، شوهدت الروبوتات وهي توزع الأدوية في المستشفى. وفي الدنمارك تم استخدام الروبوتات في تنظيف وتعقيم الشوارع، وأيضا في حملات تحض المواطنين على دعم النظافة الشخصية.
روبوتات صينية لتخديم المستشفيات، ما فوائدها؟
وفي مواجهة تزايد الحرص لدى المستهلكين على ملازمة المنازل وتعريض عمال التوصيل لخطر الإصابة بفيروس كورونا، سجلت شركة «ستارشيب تكنولوجيز» التي تتخذ مقرا لها في سان فرانسيسكو ازديادا في طلبات التوصيل
موقع «أوتوماتسيون براكسيس» الألماني أفاد آن العديد من موردي الروبوتات يتبرعون أو يقدمون على سبيل الإعارة روبوتات للمستشفيات للاستفادة منها وللحد من انتشار الفيروس? حيث يمكن استعمال هذه الروبوتات في تطهير غرف المستشفيات من جميع الكائنات الحية الدقيقة ومهمات أخرى داخل المستشفى مثل تشغيل المصاعد وغير ذلك. وفي هونغ كونغ على سبيل المثال، يتم استخدام الروبوتات لتنظيف عربات النقل الجماعي للسكك الحديدية التي تنقل ملايين الركاب يوميا.
تاريخيًّا، تم تطوير الروبوتات لتولِّي وظائف مملة وخطيرة، بيد أن جائحة كورونا، قد تنقل التوجه العام لأهمية استخدام الروبوتات في حماية الإنسان من العدوى أو حتى تسليته وقت الحجر الصحي. وصناعة الربوتات قد تتحول إلى منحى آخر ليكون رفيقا للإنسان بدلا من أن يحل مكانه. هذه الجائحة قد تكون بداية علاقة أخرى جديدة ملؤها الصداقة وليس الشك بين الإنسان والروبوت.
لقد أودى وباء كورونا المستجد بحياة أكثر من 40 موظفا في متاجر المواد الغذائية الأميركية، بحسب إحصائية أجرتها صحيفة «واشنطن بوست». وفي سائر أنحاء البلاد، نظم عمال توصيل تظاهرات للمطالبة بتحسين شروط السلامة التي يعملون في إطارها.
وفي مواجهة تزايد الحرص لدى المستهلكين على ملازمة المنازل وتعريض عمال التوصيل لخطر الإصابة بفيروس كورونا، سجلت شركة «ستارشيب تكنولوجيز» التي تتخذ مقرا لها في سان فرانسيسكو ازديادا في طلبات التوصيل عبر الروبوتات في عشرات المدن حول العالم.
وقد بدأت الشركة التي أنشأها اثنان من مؤسسي «سكايب» العمل مع «برود برانش ماركت» في شهر أبريل لتلبية حاجات المتجر الذي يحول صغر مساحته دون تنفيذه تدابير التباعد الاجتماعي المفروضة من السلطات المحلية. وفي كل يوم، تؤمّن عشرة روبوتات بنشاط مستمر توصيل الطلبيات من المتجر، حسب ما توضح مديرة الموقع ترايسي ستانارد? وتقول: «من اللطيف رؤية هذه الروبوتات وهي تتجول في الحي، هذا يسعد الناس»? وفق ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب).
العرض لا زال شحيحا في ظل الأزمة
عمليات التوصيل بالروبوتات من «ستارشيب» وغيرها من الشركات لا تلبي سوى حاجة نسبة ضئيلة من طلبيات توصيل الأطعمة، لكنها تسلط الضوء على حاجة متزايدة في ظل تعليمات التباعد الاجتماعي والمخاوف من تفشي الوباء. ويؤكد نائب رئيس «ستارشيب» راين تووهي أن «الطلب على عمليات التوصيل من دون احتكاك بشري ازداد بدرجة كبيرة في الأسابيع الأخيرة». وتتنقل الروبوتات بمعدل سرعة يبلغ ستة كيلومترات في الساعة ويمكنها نقل ما يصل إلى ثلاثة أكياس تسوق.
وقد سلكت عدة شركات هذا المسار. فمع روبوت «أر 2» المستقل القادر على التنقل بسرعة تصل إلى 40 كيلومترا في الساعة ونقل حوالي 190 كيلوغراما من البضائع، بدأت شركة «نورو» الناشئة مؤخرا توصيل منتجات غذائية في منطقة هيوستن بالشراكة مع شركة «كروغر» العملاقة للمنتجات الغذائية. ويقول ديفيد إسترادا من شركة «نورو» في رسالة منشورة على مدوّنة: «لم نكن نتوقع أن تسهم خدمتنا بحماية الأميركيين من العدوى. غير أن وباء كورونا المستجد سرّع الحاجة لدى العامة إلى خدمات توصيل من دون احتكاك بشري».
مستقبل واعد للروبوتات
وتخضع روبوتات مستقلة مشابهة لاختبارات من جانب شركة التسوق عبر الإنترنت «أمازون» التي توفر أيضا عمليات توصيل بواسطة الطائرات المسيّرة، وهي آلات تثير اهتماما متزايدا أيضا. كذلك تختبر شركة «وينغ» الناشئة التي أنشأتها «ألفابت» المالكة لـ«غوغل»، توصيل الأدوية التي لا يتطلب شراؤها وصفة طبية في ولاية فيرجينيا، وهي بدورها سجلت ازديادا كبيرا في الطلبيات، بحسب متحدث باسم الشركة.
موقع «أوتوماتسيون براكسيس» الألماني أفاد بأن العديد من موردي الروبوتات يتبرعون أو يقدمون على سبيل الإعارة روبوتات للمستشفيات للأستفادة منها وللحد من انتشار الفيروس? حيث يمكن استعمال هذه الروبوتات في تطهير غرف المستشفيات من جميع الكائنات الحية الدقيقة ومهمات أخرى داخل المستشفى مثل تشغيل المصاعد وغير ذلك. وفي هونغ كونغ على سبيل المثال، يتم استخدام الروبوتات لتنظيف عربات النقل الجماعي للسكك الحديدية التي تنقل ملايين الركاب يوميا.
في القرن الرابع عشر جاء طاعون «الموت الأسود أو الموت العظيم» ليحصد ملايين الأرواح، في أكبر كارثة وبائية سجلت في التاريخ البشري، ولكن ذلك «الموت الأسود» ساهم في ولادة الطب الحديث المرتكز على العلم والتجريب، أما انتشار مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) في الصين عام 2002، فقد ساعد على رواج التجارة الإلكترونية محدثا ثورة جديدة في هذا المجال. الحربان العالميتان كانتا أيضاً من الأزمات التي ساهمت في دفع عجلة والبحث العلمي، والإنجازات الطبية والعلوم الطبيعية والتكنولوجية.
لهذا يمكن القول إن الكوارث تدفع الإنسان إلى توظيف أقصى إمكانياته الإبداعية، وفيروس «كوفيد - 19» ليس استثناء، فما أن بدأ يتفشى حتى انطلقت عملية البحث للتعرف عليه والسعي لايجاد لقاح ضده أو حتى في تطوير وسائل الفحص الطبي، والوقاية، والمراقبة، وكذلك إعادة تشكيل التكنولوجيا لتلائم العمل أو الدراسة من المنزل، أو متابعة المرض.
تحفيز الابتكارات الطبية والتكنولوجية والرقمنة
تسارع الدول حول العالم لمحاولة السيطرة على المرض دون إثقال كاهل نظامها الصحي، ونتيجة لهذا فإن التكنولوجيا الطبية بدأت تدخل في عصر جديد، وصفته مجلة «موبي هيلث نيوز» الطبية بأنه «نقطة تحول».
هذا الانقلاب الطبي، جاء مدفوعاً بسبب إصابة بعض الأطباء بكورونا، ليكون الحل التكنولوجي، والذي كان فيما مضى ضرباً من الخيال، هو «العلاج والتشخيص عن بعد». فقد قام مستشفى بجامعة سيتشوان الصينية بتركيب معدات وشبكات اتصالات من الجيل الخامس تسمح للأطباء بتشخيص الفيروس التاجي عن بعد، بينما اعتمد مركز طبي في إسرائيل نظام التطبيب عن بعد لعلاج المرضى وعزلهم، أما في المملكة المتحدة فإن بعض الباحثين والأطباء أعلنوا استخدام تقنية VR للتواصل فيما بينهم.
تقنية «عن بعد» لم تقتصر على النظام الطبي، فنتيجة لحظر التجوال الذي طال أكثر من مليار شخص عالمياً، فإن تقنيات العمل والدراسة عن بعد أصبحت أكثر مرونة ونجاحاً، ما يمهد لخلق آليات جديدة أكثر تطوراً في هذا المجال.
ولعل الروبوتات والذكاء الاصطناعي لديهما حصة الأسد من التطور المرتبط بكورونا، إذ بدأت المستشفيات باعتماد الروبوتات لتقديم الخدمات للمرضى، وإجراء الفحوصات عليهم؛ كما يحدث في مركز بروفيدانس الطبي الأميركي، فيما وسعت بعض الدول استخدامها لمراقبة الشوارع خلال الحجر الصحي، كما حدث في الصين.
أما في كندا فقد قامت شركة «بلو دوت» باستخدام الذكاء الاصطناعي لتوفير مائة مقالة عبر الإنترنت بـ 65 لغة مختلفة يوميًا تعنى بالصحة العامة، والذي كان فعالاً لدرجة أن الشركة تمكنت من تنبيه الجمهور حول كورونا قبل أن تفعل ذلك مراكز مكافحة الأمراض ومنظمة الصحة العالمية، وفي ألمانيا تم تطوير تطبيق يتتبع المرضى، ويحذر المحيطين بهم، ما يعني أن العالم أصبح أقرب أكثر من ذي قبل لتطوير تقنيات الرقمنة الصحية.
الأزمات تسرع من تيرة الأبحاث
يذكر مؤسس ورئيس شركة «إن لي إس» لبناء مشاريع التكنولوجيا الصحية بيرت أرغان ميلينار، أن الدول أصبحت أكثر تقبلاً لاستخدام التكنولوجيات الطبية الحديثة بسبب الجائحة، ويتوقع أن يزداد استخدام الذكاء الصناعي في العلاج في المستقبل القريب، وفي هذا يذكر الأستاذ الدكتور في الكيمياء الفيزيقية في المركز القومي المصري للبحوث أمين عبد اللطيف المليجي لـ DW عربية، أن الأزمات تسرع من الإجراءات المتعلقة بالأبحاث والعلوم، فنتيجة للجائحة فإن الدول بدأت تبث الأموال لمراكز الأبحاث العلمية بشكل أكثر ليونة.
من جهة أخرى، فإن الوصول للقاح يعالج كورونا جعل العلماء أكثر تحفزاً لفهم تسلسل الجينوم الخاص به، فبينما استغرق فهم جينوم سارس عاماً كاملا، فإن التعرف على جينوم «كوفيد - 19» كان في أقل من شهر، والذي بدوره ساعد على تطوير الاختبارات التشخيصية للكشف عنه، إذ أعلنت مختبرات فيردوس في سنغافورة عن إنتاج «مختبر على رقاقة» يسمح للمرضى بفحص ثلاثة أنواع من الفيروس التاجي في غضون ساعتين، كما طورت شركة إسرائيلية مجموعة أدوات تكشف عن العدوى من خلال عينات اللعاب في غضون 50 دقيقة، فيما كانت ألمانيا سباقة في هذا المجال منذ تم الإعلان عن اختبار من شركة لانديت تهافتت عليه منظمة الصحة العالمية وأكثر من 60 دولة.
هذا التنافس المحموم لإنهاء الكارثة العالمية جعل الدول تحاول فهم الطبيعة البيولوجية للفيروسات وآلية عمل اللقاحات، وكل هذا لم يكن ممكناً لولا آلية الدفع التي ساهم بها انتشار كورونا في تحريك عجلة الاكتشاف والبحث، كما يشرح المليجي، مضيفاً أن «الدول تعيد حساباتها والتفكير بصورة أشمل، ما قد يساهم في قفزة نوعية بعد انتهاء الأزمة، بالإضافة إلى أن العلماء أصبحوا أكثر ابتكارا في آلية البحث ذاته».
صناعة الأجهزة الطبية كانت جانباً آخر، إذ أن الحاجة إلى أجهزة تنفس دفعت الدول ومراكز البحوث إلى محاولة إيجاد سبل أقل تكلفة وأسرع لبناء الأجهزة، فقد تمكنت كلية لندن الجامعية بتطوير جهاز تنفس يستغرق بناؤه 4 أيام فقط، كما قام باحثون بريطانيون بتطوير نسخة جديدة من جهاز «الرئة الحديدية»، ويمكن صناعة 5 آلاف وحدة منه كل أسبوع، وفي الهند نجح الباحثون في تطوير جهاز تنفس صغير الحجم ورخيص يمكن استخدامه في المنزل.
الدول العربية تنضم للمسيرة العالمية بخجل
لم تكن الدول الغربية هي الوحيدة في الدخول إلى سباق كورونا، إذ رغم الإمكانيات الشحيحة في المراكز البحثية العربية إلا أن بعض المبتكرين والباحثين العرب عكفوا على محاولة تطوير آليات وتكنولوجيات قد تخفف من حدة تفشي المرض.
ففي مصر، أعلن الطبيب أحمد المناوي وزميله عمرو عبد الحفيظ عن تطوير درع واق للأطباء لحمايتهم من الإصابة بالفيروس، تم توزيعه مجاناً، وفي هذا يرى المليجي أن الأزمات تعزز من ما أسماه «المرحلة الإنسانية»، مؤكداً أن «عمل العلماء لأسباب إنسانية دون التركيز على العائد المادي يساهم أيضاً في الوصول إلى آليات وعلاجات جديدة وفعالة».
بينما عكفت عدة مراكز بحثية عربية في مصر والمغرب العربي والدول الخليجية على محاولة تطوير واختبار أجهزة تنفس جديدة. ويعتقد البليجي أن الجائحة سوف تساهم في تطور الأنظمة الطبية في العالم العربي، «يمكن رؤية هذا بعد أن أصبحت التجهيزات الطبية مثل الكمامات محط اهتمام الممولين»، ويتوقع أن يكون التحفيز الذي يقدمه كورونا سببا لضخ المزيد من الأموال في قطاع الأبحاث العربية، مضيفاً أن العلم سيحدث «قفزة نوعية بعد الأزمة».
copy short url   نسخ
24/05/2020
916