+ A
A -
سليمان قبيلات كاتب أردني
الأسوياء ونقيو السريرة في مضارب «عبس»، وقفوا إلى جانب «عنترة العبد» الذي لم يستطع أن يرى قضيته الا في إطارها الشخصي المحض. ذلك ما ظل يعانيه حتى مقتله شامخا على حصانه في قفار نجد العبسية.
عنترة بن شداد؛ العربي مجسدا في فردانيته اليقظة في وعيها الرافض لمفهوم الجماعة، لا يزال يسير في شوارع المدن والقرى والبلدات والقفار العربية، رافضا أن يستمع لصخب عالم اليوم الرافض للفردانية، التي قطع معها منذ أزمان بعيدة.
حاله عنترة حال أي عربي بل وربما كان التجسيد الصارخ للحالة المستقرة للعرب أفرادا وجماعات، إذ حافظ عنترة العبد والحر على سياقه في الطاعة للمنظومة الفكرية السائدة، وهو ما لم يعه ابن شداد حتى مماته؛ إذ هو الممتثل أبدا لشداد الأب المستبعد لابنه، وللنظام السياسي الاجتماعي القائم. لم يتزحرح عنترة المستلب نهائيا للعبودية، عن ترديد مفاهيم العبودية التي لا تتوقف على اللون، بل وتتعداها إلى ازدراء كل ما لا يمت إلى مفاهيم العبودية بصفتها ثقافة لا بد من التزامها في الحياة. ربما كان ضربا من الاسطرة، أن يتوزع المشهد الاجتماعي ويتنوع بشدة ليكون هناك من يوقنون تماما بالمعضلة التي لم يستطع عنترة بن شداد أن يفك طلاسمها، أي الفرق أو المختلف بين حالتي العبودية والحرية لدى الشخص الواحد. كان واضحا أن عنترة أسير لحالة التباس شلته عن إدراك ما يريده فردا وجماعة.
تقول السيرة الأسطورية إن توخينا الحقيقة ان عروة بن الورد مجايل عنترة أو شيبوب اخاه لم يكونا الا ناطقين عن عمق الفهم لدى نسبة معتبرة من الوسط الاجتماعي للأسئلة الحادة التي واجهها عنترة وفشل في الإجابة عليها بشكل ذريع.
شيبوب كان حرا على الرغم من بقائه بين صفوف «العبيد»، لكن عنترة مثله مثل أي عربي عبر جميع الحقب التاريخية، ظل وفيا للسائد الفكري بل وكرس كل حياته للطرد عن هذا النظام الذي يمثل أس البلاء ومصدر الداء.
أما عروة بن الورد فمن موقعه الطبقي في الأسياد كان شبيها لشيبوب في إدراك معضلة النظام العبودي ومعضلة عنترة الفردية، بل إن أعمق ما في سيرة البطولة ربما كانت التراجيديا التي ما يزال العرب يعيشونها؛ رفض إعمال العقل في واقعهم على شتى الصعد.
أمام سؤال الحقيقة الذي توجهه عبلة بنت مالك بعد رحيل زوجها وعودتها إلى عبس، إلى عنترة عما إذا كان مستعدا أن يخالف رأي الملك قيس بن زهير لو انه رفض زواجه من عبلة، يمتثل البطل إلى السائد فيصمت رافضا أن يصرح عن استعداده لشق طاعة الملك الذي يمثل النظام العبودي. أي أن عنترة لم يستوعب رغم تقدمه في السن أن مشكلته الفردية لم تحل في الاعتراف بنسبه وإخراجه من صفوف العبيد ليصبح قائدا لجند العبودية.
{ (يتبع)
copy short url   نسخ
23/05/2020
258